قوله عز وجل: وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم (227):
وذلك يقتضي أن لا يقع الطلاق بمجرد مضي المدة على ما قاله قوم، لأن مضي المدة لا يكون عزيمة على الطلاق، وإنما عزيمة الطلاق ما يتوقف على قصده.
فأما حكم الله تعالى الحاصل بمضي المدة، فلا يصح العزم عليه، فلا يقال: عزموا على مضي الشهر، أو غروب الشمس، أو طلوعها. [ ص: 151 ] ومن فوائد هذه الآية: دلالة عمومها على صحة إيلاء الكافر والمسلم، سواء كان الإيلاء بعتق، أو طلاق، أو صدقة، أو حج، أو يمين بالله.
يقول: لا يصح من الكافر ما كان بالتزام صدقة أو حج، ويصح ما كان بطلاق، أو إعتاق، أو حلف بالله، وإن لم يلزمه بالحلف بالله عز وجل شيء، وصحح الإيلاء ممن لا يلتزم بالوقاع شيئا، يتوقى الوقاع لأجل ذلك الأمر، مع أنه لو آلى بطلاق زوجته، أو إعتاق عبده، فمات العبد قبل مضي المدة، بطل الإيلاء، لأنه لا يخشى التزاما، فكذلك قياس قوله أن لا يصح منه الإيلاء إذا حلف بالله، لأنه لا كفارة عليه بالمخالفة. وأبو حنيفة
واحتج على امتناع جواز الكفارة قبل الحنث، بأن قال: محمد بن الحسن
إنه لما حكم الله تعالى للمولى بأحد حكمين، من فيء أو عزيمة للطلاق، فلو جاز لبطل الإيلاء بغير فيء ولا عزيمة طلاق، لأنه إن حنث فلا يلزمه بالحنث شيء، ومتى لم يلزم الحالف بالحنث شيء، لم يكن مؤليا، وفي جواز تقديم الكفارة إسقاط حكم الإيلاء بغير ما ذكره الله تعالى، وذلك خلاف الكتاب. تقديم الكفارة على الحنث،
وهذا غير صحيح لأن الله تعالى إنما أبقى حكم الإيلاء إذا بقيت المضارة، وإنما تبقى المضارة إذا كان يتوقع التزام أمر بالوقاع، فشرط بقاء الإيلاء بقاء حكمه، فإذا قدمه زال هذا المعنى، كما يزول بموت العبد المحلوف على عتقه، أو المرأة المحلوف على طلاقها، وليس يقتضي ذلك مخالفة الكتاب بل يطابق معناه إذا تأمل..