ولما ذكر ما سرهم من حال أعدائهم المجاهرين والمساترين في الدنيا مرصعا ذلك بجواهر الحكم وبدائع الكلم التي بملازمتها تكون السعادة وبالإخلال بها تحل الشقاوة، أتبعه ما يسرهم من حال أعدائهم عند الموت وبعده، فقال مخاطبا لمن لو كشف الغطاء لم يزدد يقينا، حاديا بتخصيصه بالخطاب كل سامع على قوة اليقين ليؤهل لمثل هذا الخطاب [ ص: 301 ] حكاية لحالهم في ذاك الوقت: ولو أي: يقولون ذلك والحال أنك لو ترى يا أعلى الخلق إذ يتوفى أي: يستوفي إخراج نفوس الذين كفروا أي: من هؤلاء القائلين ومن غيرهم ممن قتلتموهم ببدر ومن غيرهم بعد ذلك وقبله الملائكة أي: جنودها الذي وكلناهم بهم حال كونهم يضربون
ولما كان ضرب الوجه والدبر أدل ما يكون على الذل والخزي، قال: وجوههم وأدبارهم أي: أعلى أجسامهم وأدناها فغيره أولى "و" حال كونهم يقولون لهم: ذوقوا ما كنتم به تكذبون ذوقوا عذاب الحريق أي: لرأيتم منظرا هائلا وأمرا فظيعا. فسركم ذلك غاية السرور، وما أثر كلامهم في غيظهم، فإنهم يعلمون حينئذ من الذي غره دينه و "لو" وإن كانت تقلب المضارع ماضيا فلا يخلو التعبير بالمضارع في حيزها من فائدة، وهي ما ذكر من الإشارة إلى أن هذا لا يخص ميتا منهم دون ميت، بل لا فرق بين متقدمهم ومتأخرهم، من مات ببدر أو غيرها وليس في الكلام ما يقتضي أن يكون القائلون غر هؤلاء دينهم حضروا بدرا، بل الظاهر أن قائليه كانوا بالمدينة وتعبيرهم ب: " هؤلاء " التي هي أداة القرب للتحقير واستسهال أخذهم كما أن أداة البعد تستعمل للتعظيم ببعد الرتبة، وعلى مثل هذا يتنزل قول فرعون بعد أن سار [ ص: 302 ] بنو إسرائيل زمانا أقله ليلة وبعض يوم كما حكاه الله عنهم: إن هؤلاء لشرذمة قليلون على أن قد نقل في تفسير قوله تعالى: البغوي يرونهم مثليهم رأي العين أن جماعة من اليهود حضروا قتال بدر لينظروا على من تكون الدائرة. وإذا تأملت هذا مع قوله تعالى: كدأب آل فرعون علمت أن جل المقصود من هذه الآيات إلى قوله: ذلك بأنهم قوم لا يفقهون اليهود، وفي تعبيره ب: " لا يفقهون " تبكيت شديد لهم كما قال تعالى في آية الحشر: لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون