ولما كان هذا ربما أدى إلى ترك المناصبة والمحاربة والمغالبة اعتمادا على الوعد الصادق المؤيد بما وقع لهم في بدر من عظيم النصر مع نقص دعوى العدة والعدة، أتبعه ما يبين أن اللازم ربط الأسباب بمسبباتها، وليتبين الصادق في دعوى الإيمان من غيره فقال: وأعدوا لهم أي: للأعداء، ما استطعتم أي: دخل في طاعتكم وكان بقوة جهدكم تحت مقدوركم وطاقتكم، من قوة أي قوة كانت، وفسرها النبي صلى الله عليه وسلم بالرمي إشارة إلى أنه أعظم عدده على نحو وفي أمرهم بقوله: "الحج عرفة" ومن رباط الخيل إيماء إلى باب من الامتنان بالنصر في بدر؛ لأنهم لم يكن معهم فيه غير فرسين، والرباط هو الخيل التي تربط في سبيل الله الخمس منها فما فوقها، وخصها مع دخولها فيما قبل إشارة إلى عظيم غنائها، والرباط أيضا ملازمة تغر العدو وربط الخيل به إعدادا للعدو; ثم أجاب من كأنه قال: لم نفعل ذلك وما النصر إلا بيدك؟ بقوله: ترهبون أي: تخوفون تخويفا عظيما باهرا يؤدي إلى الهرب على ما أجريت من العوائد "به" أي: بذلك الذي أمرتكم به من المستطاع أو من الرباط عدو الله أي: الذي له العظمة كلها؛ لأنه الملك الأعلى وعدوكم أي: المجاهدين، والأليق بقوله: وآخرين أي: وترهبون بذلك آخرين من دونهم - أي: يحمل على المنافقين [ ص: 315 ] لوصفهم بقوله: لا تعلمونهم كما قال تعالى: وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم ولأنهم لا يكونون دونهم إلا إذا لم يكونوا في العداوة مثلهم، وكل من فرض غير المنافقين مظهرون [للعداوة، وأما المنافقون فإنهم مدعون بإظهار الإسلام أنهم] أولياء لا أعداء "الله" أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلما يعلمهم أي: فهو يكفيكم ما يظن من أمرهم، وليس عليكم إلا الجهد بحسب ما تعلمون، والآية بالنسبة إلى ما تقدمها من باب: "اعقلها وتوكل" والمعنى: لا تظنوا أن الكفار فاتونا وأفلتوا من عذابنا بامتناعهم منكم فإنهم في قبضتنا أينما توجهوا وحيثما حلوا فسوف نهلكهم ولا يعجزوننا، ومع ذلك فلا يحملنكم الاتكال على قوتنا على ترك أسباب مغالبتهم بما أعطيناكم من القوى بل ابذلوا جهدكم وطاقتكم في إعداد مكايد الحرب وما يتعلق بالرمي من القوة وبالخيل من الطعن والضرب والفروسية لنلقي بذلك رعبكم في قلوب عدوكم القريب والبعيد من تعلمونه منهم ومن لا تعلمونه.
ولما كان أغلب معاني هذه الآية الإنفاق؛ لأن مبنى إعداد القوة [ ص: 316 ] عليه، رغب فيه بقوله: وما تنفقوا من شيء أي: من الأشياء وإن قل في سبيل الله أي: طريق من له صفات الكمال من الجهاد وغيره يوف إليكم أي: أجره كاملا في الدنيا والآخرة أوفى ما يكون مضاعفا أحوج ما تكونون إليه وأنتم لا
ولما كان المخوف مطلق النقص، بنى للمفعول قوله: تظلمون أي: [لا] تنقصون شيئا منه، وأما الزيادة فلا بد منها وهي على قدر النية.