وألف بين قلوبهم بعد غاية التباغض، فصار البعيد منهم قريبا والبغيض حبيبا والعدو صديقا، وكانوا على قلب واحد; ثم استأنف الإخبار بما دل على تعذر ألفتهم لولا هو فقال: لو أنفقت أي: وأنت أتقن الخلق لما تصنعه ما في الأرض جميعا أي: في إرادة ذلك ما ألفت بين قلوبهم ثم أكد ذلك بقوله: ولكن الله أي: وهو الذي له جميع صفات الكمال ألف بينهم [ثم] علل [نفوذ] فعله وأمره فيه بقوله: إنه عزيز حكيم أي: لأنه لولا عزته التي تغلب كل شيء ولا يغلبها شيء وحكمته التي يتقن بها ما أراد بحيث لا يمكن لأحد أن يغير شيئا منه لما تألفوا بعد أن كان قبل كل أحد من فريقيهم للآخر أشهى من لذيذ الحياة وصافي العيش لما بينهم من الإحن التي لا تزال تثور فتغلي لها الصدور حتى تفور بقتل الأحباب من الوالدين والأولاد والقهر بأنواع الأذى مع [ ص: 319 ] المجاورة المقتضية لدوام التحاسد وإثارة الضغائن، وكذا فعل سبحانه بجميع العرب بعدما كان بينهم من القتل المنتشر مع ما لهم من الحمية والأنفة الحاملة على الانتقام.
والذي أمدك بهذه الألطاف حي لا يموت باق على ما كان عليه من القدرة والقوة، فهو الكفيل بحراستك ممن يريد خداعك، فإذا أمركم بأمر فامتثلوه غير مفكرين في عاقبته، فإنه قد بينه بعزته وأتقنه بحكمته وستعلمون.