ثم أقبل عليه مسليا له مقابلا لإعراضهم إن أعرضوا بالإعراض عنهم والبراءة منهم ملتفتا إلى السورة الآمر بالبراءة من كل مخالف، قائلا مسببا عن النصيحة بهذه الآية التي لا يشك عاقل في مضمونها: فإن تولوا أي اجتهدوا في تكليف فطرهم الأولى أو ولوا مدبرين عنك بالانصراف المذكور أو غيره بعد النصيحة لهم بهذه الآية فقل [أي] استعانة بالله [تفويضا إليه] حسبي أي: كافي; قال : وهو من الحساب؛ لأنه جل ثناه يعطي بحسب الكفاية التي تعني عن غيره، ويزيد من نعمته ما لا يبلغ إلى حد ونهاية؛ إذ نعمه دائمة ومننه متظاهر الرماني الله أي الملك الأعلى الذي لا كفؤ له، وإنما كان كافيا لأنه لا إله إلا هو فلا مكافئ له فلا راد لأمره ولا معقب لحكمه.
ولما قام الدليل على أنه لا كفؤ له، وجب قصر الرغائب عليه [ ص: 61 ] فقال: عليه أي: وحده توكلت لأن أمره نافذ في كل شيء وهو رب أي مالك ومخترع ومدبر; [ولما كان في سياق القهر والكبرياء بالبراءة من الكفار والكفاية للأبرار، كان المقام بالعظمة أنسب كآية النمل فقال]: العرش العظيم أي المحيط بجميع الأجسام الحاوي لسائر الأجرام [الذي ثبت بآية الكرسي وغيرها أن ربه أعظم منه؛ لأن عظمته على الإطلاق] فلا شيء إلا هو في قبضته وداخل في دائرة مملكته، وإذا كان كافي فأنا بريء ممن تولى عني وبعد مني كائنا من كان في كل زمان ومكان; فقد عانق آخر السورة أولها وصافح منتهاها مبتدأها وتأكد ما فهمته من سر الالتفات في: فسيحوا وفي: فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله [والله تعالى أعلم].