ولما أخبرهم بحقيقته، أخبرهم بما يكون [منهم] من الظلم أيضا عند معاينته بالسماح \ ببذل جميع ما في الأرض حيث لا ينفع البذل بعد ترك المأمور به [ ص: 140 ] وهو من أيسر الأشياء وأحسنها فقال: ولو أن لكل نفس ظلمت أي: عند المعاينة ما في الأرض أي: كلها من خزائنها ونفائسها لافتدت به أي: جعلت فدية لها من العذاب لكنه ليس لهم ذلك، ولو كان ما قبل منهم، فإذا وقع ما يوعدون استسلموا وأسروا الندامة أي اشتد ندمهم ولم يقدروا على الكلام لما رأوا العذاب لأنهم بهتوا لعظم ما دهمهم فكان فعلهم فعل المسر، لأنهم لم يطيقوا بكاء ولا شكاية ولا شيئا مما يفعله الجازع; والاستنباء: طلب النبأ كما أن الاستفهام طلب الفهم; والنبأ: خبر عن يقين في أمر كبير; والحق: عقد على المعنى على ما هو به تدعو الحكمة إليه، وكل ما بني على هذا العقد فهو حق لأجله، والحق في الدين ما شهد به الدليل على الثقة فيما طريقه العلم، والقوة فيما طريقه غالب الأمر، وذلك فيما يحتمل أمرين أحدهما أشبه بالأصل الذي جاء به النص; والافتداء: إيقاع الشيء بدل غيره لرفع المكروه، فداه فدية وأفداه وافتداه افتداء وفاداه مفاداة وفداه تفدية وتفادى منه تفاديا; والإسرار: إخفاء الشيء في النفس; والندامة: الحسرة على ما كان يتمنى أنه لم يكن أوقعها. وهي حال معقولة يتأسف صاحبها على ما وقع منها ويود أنه لم يكن أوقعها.
ولما اشتملت الآيات الماضيات على تحتم وختمت بقوله: إنجاز الوعد والعدل في الحكم، وقضي أي: وأوقع القضاء على أيسر وجه وأسهله; [ ص: 141 ] ولما استغرق القضاء جميع وقائعهم دل بنزع الجار فقال: بينهم أي الظالمين والمظلومين والظالمين والأظلمين بالقسط أي العدل; ولما كان وقوع ذلك لا ينفي وقوع الظلم في وقت آخر قال: وهم أي: والحال أنهم لا يظلمون أي: لا يقع فيهم ظلم من أحد أصلا كائنا من كان في وقت ما.