ولما حكى سبحانه أن موسى عليه السلام أبان ما أبان من بطلان السحر وكونه إفسادا، فثبت ما أتى به لمخالفته له، أخبر تعالى - تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وفطما عن طلب الإجابة للمقترحات - أنه ما تسبب عن ذلك في أول الأمر عقب إبطال سحرهم من غير مهلة إلا إيمان ناس ضعفاء غير كثير، فقال تعالى: فما آمن أي: متبعا لموسى أي: بسبب ما فعل، ليعلم أن إلا لمن أردنا ذلك منه; وبين أن الصغار أسرع إلى القبول بقوله: الآيات ليست سببا للهداية إلا ذرية أي: شبانهم [هم] أهل لأن تذر فيهم البركة من قومه أي: قوم موسى الذين لهم قدرة [ ص: 176 ] على القيام في المحاولة لما يريدونه، والظاهر أنهم كانوا أيتاما وأكثرهم - كما قاله مجاهد على خوف أي: عظيم من فرعون وملئهم أي: أشراف قوم الذرية; ولما كان إنكار الملأ إنما هو بسبب فرعون أن يسلبهم رئاستهم، انحصر الخوف فيه فأشار إلى ذلك بوحدة الضمير فقال: أن يفتنهم وأتبعه ما يوضح عذرهم بقوله مؤكدا تنزيلا لقريش منزلة من يكذب بعلو فرعون لتكذيبهم لأن ينصر عليهم الضعفاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لعلوهم: وإن فرعون لعال أي: غالب قاهر متمكن بما فتناه به من طاعة الناس له في الأرض أي: أرض مصر التي هي بكثرة ما فيها من المرافق كأنها جميع الأرض وإنه لمن المسرفين أي العريقين في مجاوزة الحدود بظاهره وباطنه، وإذا ضممت هذه الآية إلى قوله تعالى: وأن المسرفين هم أصحاب النار كان قياسا بديهيا منتجا إنتاجا صريحا قطعيا أن فرعون من أصحاب النار، تكذيبا لأهل الوحدة في قولهم: إنه آمن، ليهونوا المعاصي عند الناس فيحلوا بذلك عقائد أهل الدين.