ولما كان المقصود من ذلك رمي قلوب العرب بما فيه من سهام التهديد ليقلعوا عما تمكنوا فيه من عمى التقليد، قال تعالى معلما بأن الذي أوقع بأولئك لظلمهم [و] هو لكل ظالم بالمرصاد سواء ظلم نفسه أو غيره: وكذلك أي: ومثل ذلك الأخذ العظيم أخذ ربك [ ص: 374 ] ذكره بوصف الإحسان ما له إليه من البر لئلا يخاف على قومه من مثل هذا الأخذ إذا أخذ القرى أي: أهلها وإن كانوا غير من تقدم الإخبار عنهم وإن عظموا وكثروا، ولكن الإخبار عنها أهول لأنه يفهم أنه ربما يعمها الهلاك لأجلهم بشدة الغضب من فعلهم كقرى قوم لوط عليه السلام وهي ظالمة روى البخاري في التفسير عن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أبي موسى وكذلك أخذ ربك الآية. إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ:
ولما كان مثل هذا الآخذ لا يدانيه مخلوق ولا يقدر عليه ملك، حسن كل الحسن إتباع ذلك قوله: إن أخذه أليم أي: مؤلم قاطع للآمال مالئ البدن والروح والنفس بالنكال شديد أي: صعب مفتت للقوى، ولعله عبر هنا باسم الرب \ مضيفا له إلى المنبأ بهذه الأنباء مكررا لذلك في هذا المقام الذي ربما سبق فيه الوهم إلى أنه باسم الجبار والمنتقم مثلا أليق، إشارة إلى أنه سبحانه يربيك أحسن تربية في إظهارك على الدين كله وانقياد العظماء لأمرك وذل الأعزة لسطوتك وخفض الرؤوس لعلو شأنك، فلا تتكلف أنت شيئا من قصد إجابتهم إلى إنزال آية أو ترك ما يغيظ من إنذار ونحو ذلك - والله الموفق.