ولما ذكر أن السماح بما تضن النفوس به من فضول الأموال من أمارات الإيمان، أتبعه أن حزن ما تبذله الألسن من فضول الأقوال من علامات العرفان ، فقال : وإذا سمعوا اللغو أي : ما لا ينفع في دين ولا دنيا من شتم وتكذيب وتعيير ونحوه أعرضوا عنه تكرما عن الخنا وقالوا أي : وعظا وتسميعا لقائله : لنا أي : خاصة أعمالنا لا تثابون على شيء منها ولا تعاقبون ولكم أي : خاصة أعمالكم لا نطالب بشيء منها ، فنحن لا نشتغل بالرد عليكم لأن ذمكم لنا لا ينقصنا شيئا من أجرنا ولا الاشتغال برده ينقصنا.
ولما كان معنى هذا أنهم سالمون منهم ، صرحوا لهم به فقالوا : [ ص: 317 ] سلام عليكم أي : منا. ولما جرت العادة بأن مثل هذا يكسر اللاغي ، ويرد الباغي ، أشاروا لهم إلى قبح حالهم ، ردا على ضلالهم ، بقولهم تعليلا لما مضى من مقالهم : لا نبتغي أي : لا نكلف أنفسنا أن نطلب الجاهلين أي : نريد شيئا من أحوالهم أو أقوالهم ، أو غير ذلك من خلالهم.