ولما كان المتواضع ربما نسب إلى الكسل، نفى ذلك عنهم بقوله مبينا بما تضمنته الآية السالفة من خوفهم: تتجافى أي ترتفع ارتفاع مبالغ في الجفاء - بما أشار إليه الإظهار، وبشر بكثرتهم بالتعبير [ ص: 255 ] بجمع الكثرة فقال: جنوبهم بعد النوم عن المضاجع أي الفرش الموطأة الممهدة التي هي [محل] الراحة والسكون والنوم، فيكونون عليها كالملسوعين، لا يقدرون على الاستقرار عليها، في الليل الذي هو موضع الخلوة ومحط اللذة والسرور بما تهواه النفوس، [قال الإمام في الباب السادس والأربعين من عوارفه عن المحبين: قيل: نومهم نوم الفرقى، وأكلهم أكل المرضى، وكلامهم ضرورة، فمن نام عن غلبة بهم مجتمع متعلق بقيام الليل وفق لقيام الليل، وإنما النفس إذا طعمت ووطنت على النوم استرسلت فيه، وإذا أزعجت بصدق العزيمة لا تسترسل في الاستقرار، وهذا الانزعاج في النفس بصدق العزيمة هو التجافي الذي قال الله، لأن الهم بقيام الليل وصدق العزيمة يجعل بين الجنب والمضجع سواء وتجافيا.] السهروردي
ولما كان هجران المضجع قد يكون لغير العبادة، بين أنه لها، فقال مبينا لحالهم: يدعون أي على سبيل الاستمرار، وأظهر الوصف الذي جرأهم على السؤال فقال: ربهم أي الذي عودهم بإحسانه: ثم علل دعاءهم بقوله: خوفا أي من سخطه وعقابه، [فإن أسباب الخوف من نقائصهم كثيرة سواء عرفوا سببا يوجب خوفا أو لا، فهم [ ص: 256 ] لا يأمنون مكره لأن له أن يفعل ما يشاء] وطمعا أي في رضاه الموجب لثوابه، وعبر به دون الرجاء إشارة إلى أنهم لشدة معرفتهم بنقائصهم لا يعدون أعمالهم شيئا بل يطلبون فضله بغير سبب، [وإذا كانوا يرجون رحمته بغير سبب فهم مع السبب أرجى، فهم لا ييأسون من روحه.]
ولما كانت العبادة تقطع عن التوسع في الدنيا، فربما دعت نفس العابد إلى التمسك بما في يده خوفا من نقص العبادة عن الحاجة لتشوش الفكر والحركة لطلب الرزق، حث على الإنفاق منه اعتمادا على الخلاق الرزاق الذي ضمن الخلف ليكونوا بما ضمن لهم أوثق منهم بما عندهم، وإيذانا بأن الصلاة سبب للبركة في الرزق وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك فقال لفتا إلى مظهر العظمة تنبيها على أن الرزق منه وحده: ومما رزقناهم أي بعظمتنا، لا حول منهم ولا قوة ينفقون من غير إسراف ولا تقتير في جميع وجوه القرب التي شرعناها لهم.