ولما أمره بما يشق من تغير العوائد في أمر العدة، ثم بما قد يشق عليه صلى الله عليه وسلم من تخصيصه بما ذكر خشية من طعن بعض من لم يرسخ إيمانه، وختم بما يسر أزواجه، وصل به ما يزيد سرورهن من تحريم غيرهن عليه شكرا لهن على إعراضهن عن الدنيا [ ص: 388 ] واختيارهن الله ورسوله فقال: لا يحل لك النساء ولما كان تعالى شديد العناية به صلى الله عليه وسلم لوح له في آية التحريم إلى أنه ينسخه عنه، فأثبت الجار فقال: من بعد أي من بعد من معك من هؤلاء التسع - كما قال رضي الله عنهما في رواية عنه، شكرا من الله لهن لكونهن لما نزلت آية التخيير اخترن الله ورسوله، فتكون الآية منسوخة بمتقدم عليها في النظم وتأخر عنها في الإنزال من آية ابن عباس إنا أحللنا لك أزواجك وفي رواية أخرى من بعد " اللاتي أحللنا لك " بالصفة المتقدمة من بنات العم وما معهن، ويؤيدها ما تقدمت روايته عن رضي الله عنها. أم هانئ
ولما كان ربما فهم أن المراد الحصر في عدد التسع، لا بقيد المعينات، قال: ولا أن تبدل بهن أي هؤلاء التسع، وأعرق في النفي بقوله: من أي شيئا من أزواج أي بأن تطلق بعض هؤلاء المعينات وتأخذ بدلها من غيرهن بعقد النكاح بحيث لا يزيد العدد على تسع، فعلم بهذا أن الممنوع [منه] نكاح غيرهن مع طلاق واحدة منهن أولا، وهو يؤيد الرواية الأولى عن رضي الله عنهما لأن المتبدل بها لا تكون إلا معلومة العين، والجواب عن قول ابن عباس [ ص: 389 ] رضي الله عنها أنه فهم منها، لا رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما عند موت واحدة منهن فلا حرج في نكاح واحدة بدلها. أم هانئ
ولما علم من هذا المنع من كل زوجة بأي صفة كانت، أكد المعنى وحققه، وصرح به في قوله حالا من فاعل "تبدل" : ولو أعجبك حسنهن أي النساء المغايرات لمن معك، وفي هذا إباحة النظر إلى من يراد نكاحها لأن النظرة الأولى لا تكاد تثبت ما عليه المرئي من حاق الوصف; ولما كان لفظ النساء شاملا للأزواج والإماء، بين أن المراد الأزواج [فقط] بقوله: إلا ما ملكت يمينك أي فيحل لك منهن ما شئت، وقد ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة رضي الله عنها من سبي بني قريظة، واستمرت في ملكه مدة لا يقربها حتى أسلمت، ثم ملك بعد عام الحديبية مارية رضي الله عنها أم ولده إبراهيم عليه السلام.
ولما تقدم سبحانه في هذه الآيات فأمر ونهى وحد حدودا، حذر من التهاون بشيء منها ولو بنوع تأويل فقال: وكان الله أي الذي لا شيء أعظم منه، وهو المحيط بجميع صفات الكمال على كل شيء رقيبا أي يفعل فعل المراعي لما يتوقع منه من خلل على أقرب قرب منه بحيث لا يفوت مع رعايته فائت من أمر المرعى، [ ص: 390 ] ولا يكون الرقيب إلا قريبا، ولا أقرب من قرب الحق سبحانه، فلا أرعى من رقبته، وهو من أشد الأسماء وعيدا.