ولما كان الحكم في الظاهر على جميع الإنسان، وفي الحقيقة - لكون القضية الخالية عن السور في قوة الجزئية - على بعضه، لكنه لما أطلق إطلاق الكلي فهم أن المراد الأكثر، قال مبينا أن "ال" ليست سورا معللا لحمله لها مقدما التعذيب إشارة إلى أن الخونة أكثر، [لافتا العبارة إلى الاسم الأعظم لتنويع المقال إلى جلال وجمال]: ليعذب الله أي الملك الأعظم بسبب الخيانة في الأمانة، وقدم [من الخونة] أجدرهم بذلك فقال: المنافقين والمنافقات أي الذين يظهرون بذل الأمانة كذبا وزورا وهم حاملون لها عريقون في النفاق والمشركين والمشركات أي الذين يصارحون بحملها ومنعها عن أهلها [وهم عريقون في الشرك فلا يتوبون منه].
ولما كان تقديم التعذيب مفهما أن الخونة أكثر، أشار إلى أن [ ص: 427 ] المخلص نادر جدا بقوله: ويتوب الله أي بما له من العظمة على المؤمنين أي العريقين في وصف الإيمان وهم الثابتون عليه إلى الموت والمؤمنات العصاة وغيرهم فيوفقهم لبذلها بعد حملها [فالآية من الاحتباك: ذكر العذاب أولا دليلا على النعيم ثانيا، والتوبة ثانيا دليلا على منعها أولا] أي عرض هذا العرض وحكم هذا [الحكم] ليعذب وينعم بحجة يتعارفها الناس فيما بينهم.
ولما كان هذا مؤذنا بأنه ما من أحد إلا وقد حملها وقتا ما، فكان مرغبا للقلوب مرهبا للنفوس، قال مؤنسا لها مرغبا: وكان الله أي على ما له من الكبر والعظمة والانتقام والملك والسطوة غفورا أي محاء لذنوب التائبين الفعلية والإمكانية عينا وأثرا رحيما أي مكرما لهم بأنواع الإكرام بعد الرجوع عن الإجرام، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في مطلعها بالتقوى أمر في مقطعها بذلك على وجه عام، وتوعد المشاققين والمنافقين الذين نهى في أولها عن طاعتهم، وختم بصفتي المغفرة والرحمة كما ختم في أولها بهما آية الخطأ والتعمد، فقد تلاقيا وتعانقا وتوافقا وتطابقا - والله يقول الحق و [هو] يهدي السبيل، وهو أعلم بالصواب.