ولما أتم بضرب المثل؛ وما بعده؛ الدلالة على مضمون: إنما تنذر من اتبع الذكر وما عللت به من إحياء الموتى؛ ودل على ذلك بما تركه كالشمس؛ ليس فيه لبس؛ وزاد من بحور الفوائد؛ وجميل العوائد؛ ما ملأ الأكوان من موجبات الإيمان؛ وذكر ما في فريقي [ ص: 158 ] المتبعين؛ والممتنعين؛ يوم البعث؛ وختم بالحتم على الأفواه بعد البعث؛ أتبعه آية الختم بالطمس؛ والمسخ؛ قبل الموت؛ تهديدا؛ عطفا على ما رجع إليه المعنى؛ مما قيل أول ذلك الخطاب؛ من قوله: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا الآية؛ دفعا لما ربما وقع في وهم أحد أن القدرة لا تتوجه إلى غير الطمس في المعاني؛ بضرب السد؛ وما في معناه؛ فأخبر أنه كما أعمى البصائر؛ قادر على إذهاب الأبصار؛ فقال - مؤكدا لما لهم من الإنكار؛ أو الأفعال التي هي فعل المنكر -: ولو ؛ وعبر بالمضارع في قوله: نشاء ؛ ليتوقع في كل حين؛ فيكون أبلغ في التهديد؛ لطمسنا ؛ وقصر الفعل؛ إشارة إلى أن المعنى: لو نريد لأوقعنا الطمس الذي جعلناه على بصائرهم؛ على أعينهم ؛ فأذهبنا عينها وأثرها؛ وجعلناها مساوية للوجه؛ بحيث تصير كأنها لم تكن أصلا؛ وقد تقدم في "النساء"؛ نقل معنى هذا عن ابن هشام .
ولما كان الجالس مع شخص في مجلس التنازع؛ وهو يهدده إن لم يرجع عن غيه؛ بقارعة يصيبه بها؛ يبادر الهرب إذا فاجأته منه مصيبة كبيرة؛ خوفا من غيرها؛ جريا مع الطبع؛ لما ناله من الدهش؛ ومسه من [ ص: 159 ] عظيم الانزعاج؛ والوجل؛ كما اتفق لقوم لوط - عليه السلام - لما مسح جبريل - عليه السلام - أعينهم؛ فأغشاها؛ حين بادروا الباب هربا؛ يقولون: عند لوط أسحر الناس؛ سبب عن ذلك قوله: فاستبقوا ؛ أي: كلفوا أنفسهم ذلك؛ وأوجدوه؛ ولما كان المقصود بيان إسراعهم في الهرب؛ عدى الفعل؛ مضمنا له معنى "ابتدروا"؛ كما قال (تعالى): فاستبقوا الخيرات فقال: الصراط ؛ أي: الطريق الواضح؛ الذي ألفوه؛ واعتادوه؛ ولهم به غاية المعرفة؛ ولما كان الأعمى لا يمكنه في مثل هذه الحالة المشي بلا قائد؛ فضلا عن المسابقة؛ سبب عن ذلك قوله - منكرا -: فأنى ؛ أي: كيف؟ ومن أين يبصرون ؟ أي: فلم يهتدوا للصراط؛ لعدم إبصارهم؛ بل تصادموا؛ فتساقطوا في المهالك؛ وتهافتوا.