ولما ذكر الظرف وما خلق لأجله من الناس، ضم إليهم بعض ما خلقه لأجلهم [لشرفه] بالحياة، أتبعه ما أودع الظرف من المرافق لأجل الحيوان فقال: واختلاف الليل والنهار بذهاب أحدهما ووجود الآخر بعد ذهابه على التعاقب آية متكررة للدلالة على القدرة على الإيجاد بعد الإعدام بالبعث وغيره، وجر "اختلاف" بتقدير "في" فينوب حرف العطف مناب عامل واحد للابتداء عند من [ ص: 66 ] رفع "آيات"، ومناب "إن" عند من نصب، فلم يلزم نيابته مناب عاملين مختلفين في الابتداء في الرفع وفي "إن" في النصب.
ولما كان المطر أدل مما مضى على البعث والعزة، لأن الشيء كلما قل الإلف له كان أمكن للتأمل فيه، أولاه إياه فقال: وما أنـزل الله أي: الذي تمت عظمته فنفذت كلمته. ولما كان الإنزال قد يستعمل فيما أتى من علو معنوي وإن لم يكن حسيا، بين أن المراد هنا الأمران فقال: من السماء
ولما كانت منافع السماء غير منحصرة في الماء قال: من رزق أي: مطر وغيره من الأسباب المهيئة لإخراج الرزق فأحيا به أي: بسببه وتعقبه الأرض أي: الصالحة للحياة، ولذلك قال: بعد موتها أي: يبسها وتهشم ما كان فيها من النبات وانقلابه بالاختلاط بترابها ترابا، فإذا نزل عليها الماء جمعه منها فأخرجه على ما كان عليه كلما تجدد نزوله، ولذلك لم يأت بالجار إشارة إلى دوام [ ص: 67 ] الحياة بالقوة إن لم يكن بالفعل.
ولما ذكر [ما يشمل الماء، ذكر] سبب السحاب الذي يحمله فقال: وتصريف الرياح في كل جهة من جهات الكون وفي كل معنى من رحمة وعذاب وغير ذلك من الأسباب، ولم يذكر الفلك والسحاب كما في البقرة لاقتضاء اللبابية المسماة بها الحواميم، ذلك لأنهما من جملة منافع التصريف، وتوحيد حمزة أبلغ لأن تصريف الشيء الواحد في الوجوه الكثيرة أعجب والكسائي آيات قراءة الرفع أبلغ لإشارتها بعدم الحاجة إلى التأكيد إلى أن ما في الآية ظاهر الدلالة على القدرة والاختيار للصانع بما في التصريف من الاختلاف، والماء بما يحدث عنه من الإنبات أوضح دلالة من بقيتها على البعث، ولأجل شدة ظهورها ناط الأمر فيها بالعقل فقال: لقوم يعقلون وقال القالي: والمعنى أن المنصفين لما نظروا في السماوات والأرض وأنه لا بد لهما من صانع آمنوا، فإذا نظروا في خلق أنفسهم ونحوها ازدادوا إيمانا فأيقنوا، فإذا نظروا في سائر الحوادث عقلوا واستحكم علمهم.