ولما أتم سبحانه وتعالى ما اقتضاه مقصود هذه السورة من أصول الدين وفروعه والتحذير من سطواته بذكر بعض مثلاته، وختم بضلال من لم يجب الداعي، نبه على أن أوضح الأدلة على إحاطته بالجلال والجمال وقدرته على الأجل المسمى الذي خلق الخلق لأجله ما جلى به مطلع السورة من إبداع الخافقين وما فيهما من الآيات الظاهرة للأذن والعين، فقال مبكتا لهم على ضلالهم عن إجابة الداعي ومنكرا عليهم وموبخا لهم مرشدا بالعطف على غير مذكور إلى أن التقدير: ألم ير [ ص: 186 ] هؤلاء الضلال ما نصبنا في هذه السورة من أعلام الدلائل وواضح الرسائل في المقاصد والوسائل، عاطفا عليه قوله تعالى ردا لمقطع السورة بتقرير المعاد على مطلعها المقرر للبدء بخلق الكونين [بالحق: أولم يروا أي: يعلموا علما هو في الوضوح كالرؤية] أن الله ودل على هذا الاسم الأعظم بقوله: الذي خلق السماوات على ما احتوت عليه مما يعجز [الوصف] من العبر والأرض على ما اشتملت عليه من الآيات المدركة بالعيان والخبر ولم يعي أي: يعجز، يقال: عيي بالأمر - إذ لم يهتد لوجه مراده أو عجز عنه ولم يطق إحكامه، قال : يقال: عييت بالأمر - إذ لم تعرف وجهه، وأعييت: تعبت، وفي القاموس: وأعيى بالأمر: كل الزجاج بخلقهن أي: بسببه؛ فإنه لو حصل له شيء من ذلك لأدى إلى نقصان فيهما أو في [ ص: 187 ] إحداهما، وأكد الإنكار المتضمن للنفي بزيادة الجار في حيز "أن" فقال تعالى: بقادر أي: قدرة عظيمة تامة بليغة على أن يحيي أي: على سبيل التجديد مستمرا الموتى والأمر فيهم لكونه إعادة ولكونهم جزاء يسيرا منها ذكر اختراعه أصغر شأنا وأسهل صنعا.
ولما كان هذا الاستفهام الإنكاري في معنى النفي، أجابه بقوله تعالى: بلى قد علموا أنه قادر على ذلك علما هو في إتقانه كالرؤية بالبصر؛ لأنهم يعلمون أنه المخترع لذلك، وأن الإعادة أهون من الابتداء في مجاري عاداتهم، ولكنهم عن ذلك غافلون لأنهم عنه معرضون، ولما كانوا مع هذه الأدلة الواضحة التي هي أعظم من المشاهدة بالبصر ينكرون ما دلت عليه هذه الصنعة من إحاطة القدرة، علل ذلك مؤكدا له بقوله مقررا للقدرة على وجه عام يدخل فيه البعث الذي ذكر أول السورة أنه ما خلق هذا الخلق إلا لأجله ليختم بما بدأ به إنه على كل شيء أي: هو أهل لأن تتعلق القدرة به قدير