ولما كان من أعظم الفوز إقرار العين بالانتقام من العدو وكان العدو المكاتم أشد من العدو المجاهر المراغم قال تعالى: ويعذب المنافقين أي: يزيل كل ما لهم من العذوبة والمنافقات بما غاظهم من ازدياد الإيمان والمشركين والمشركات بصدهم الذي كان سببا للمقام الدحض الذي كان سببا لإنزال السكينة الذي كان سببا لقوة أهل الإسلام بما تأثر عنه من كثرة الداخلين فيه، الذي كان سببا لتدمير أهل الكفران، ثم بعد ذلك عذاب النيران.
ولما أخبر بعذابهم، أتبعه وصفهم بما سبب لهم ذلك فقال تعالى: الظانين بالله أي: المحيط بجميع صفات الكمال ظن السوء من أنه لا يفي بوعده في أنه ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين أو أنه لا يبعثهم. أو أنه لا يعذبهم لمخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومشاققة أتباعه. ولما أخبر سبحانه وتعالى بعذابهم فسره بقوله: عليهم أي: في الدنيا والآخرة بما يخزيهم الله به من كثرة جنوده وغيظهم منهم وقهرهم بهم دائرة السوء التي دبروها وقدروها للمسلمين لا خلاص لهم منها، فهم مخذولون في كل موطن خذلانا ظاهرا يدركه [ ص: 290 ] كل أحد، وباطنا يدركه من أراد الله تعالى من أرباب البصائر كما اتفق في هذه العمرة، والسوء - بالفتح والضم: ما يسوء كالكره إلا أنه غلب في أن يضاف إلى ما يراد ذمه، والمضموم جار مجرى الشر الذي هو ضد الخير - قاله في الكشاف.
ولما كان من دار عليه السوء قد لا يكون مغضوبا عليه، قال: وغضب الله أي: الملك الأعظم بما له من صفات الجلال والجمال فاستعلى غضبه عليهم وهو عبارة عن أنه يعاملهم معاملة الغضبان بما لا طاقة لهم به. ولما كان الغضب قد لا يوجب الإهانة والإبعاد قال: ولعنهم أي: طردهم طردا سفلوا به أسفل سافلين، فبعدوا به عن كل خير.
ولما قرر ما لهم في الدارين، وكان قد يظن أنه يخص الدنيا فلا يوجب عذاب الآخرة، أتبعه بما يخصها فقال: وأعد أي: هيأ الآن لهم جهنم تلقاهم بالعبوسة والغيظ والزفير والتجهم كما كانوا يتجهمون عباد الله مع ما فيها من العذاب بالحر والبرد والإحراق وغير ذلك من أنواع المشاق. ولما كان التقدير: فساءت معدا، عطف عليه قوله: وساءت مصيرا