ولما انقضى حديث الجنود عامة ثم خاصة من المنتدبين والمخلصين وختم بعذاب الكافرين، وكان المتصرف في الجنود ربما كان بعض خواص الملك، فلا يكون تصرفه فيهم تاما، وكان الملك قد لا يقدر على عذاب من أراد من جنوده، وكان إذا قدر قد لا يقدر على العذاب بكل ما يريده من السعير الموصوف وغيره لعدم عموم ملكه قال تعالى عاطفا على آية الجنود: ولله أي: الملك الأعظم وحده ملك السماوات والأرض أي: من الجنود وغيرها، يدبر ذلك كله كيف يشاء لا راد لحكمه ولا معقب.
ولما لم يكن في هؤلاء من عذب بما عذب الأمم الماضية من الريح وغيرها، لم يذكر ما بين الخافقين، وذكر نتيجة التفرد بالملك [ ص: 306 ] بما يقتضيه الحال من الترغيب والترهيب: يغفر لمن يشاء أي: لا اعتراض لأحد عليه بوجه ما ويعذب من يشاء أي: لأنه لا يجب عليه شيء ولا يكافيه شيء، وليس هو كالملوك الذين لا يتمكنون من مثل ذلك لكثرة الأكفاء المعارضين لهم في الجملة، وعلم من هذا التقسيم المبهم [أيضا] أن منهم من يرتد فيعذبه، ومنهم من يثبت على الإسلام فيغفر له لأنه لا يعذب بغير ذنب وإن كان له أن يفعل ذلك؛ لأنه لا يسأل عما يفعل وملكه تام، فتصرفه فيه عدل كيفما كان، ولما كان من يفعل الشيء في وقت قد لا يستمر على وصف القدرة عليه قال تعالى: وكان الله أي: المحيط بصفات الكمال أزلا وأبدا، لم يتجدد له شيء لم يكن. ولما ابتدأ الآية بالمغفرة ترغيبا في التوبة، ختم بذلك؛ لأن المقام له، وزاد الرحمة تشريفا لنبي المرحمة بالترغيب والدلالة على أن رحمته غلبت غضبه فقال: غفورا أي: لذنوب المسيئين رحيما أي: مكرما بعد الستر بما لا تسعه العقول، وقدرته على الإنعام كقدرته على الانتقام.