ولما أتم وعظهم بما هو الأنفع والأقرب إلى صلاحهم ففعلوا، وكان ذلك شاقا لما جبل عليه البشر من حب ذوي الأرحام والعطف عليهم، فتشوفت النفوس إلى تخفيف بنوع من الأنواع، أتبعه الترجئة فيما قصده رضي الله عنه بغير الطريق الذي يتوصل به فقال على عادة الملوك في الرمز إلى ما يريدونه فيقنع الموعود به بل يكون ذلك الرمز [ ص: 506 ] عنده أعظم من البت من غيرهم [لما لهم] من العظمة التي تقتضي النزاهة عما يلم بشائبة نقص، وذلك أعظم في الإيمان بالغيب لأن الوعود لا تزال بين خوف ورجاء جوابا لمن كأنه كان يقول: كيف يكون الخلاص من مثل هذه الواقعة وقد بنيت يا رب هذه الدار على حكمة الأسباب: حاطب عسى الله أي أنتم جديرون بأن تطمعوا في الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلما أن يجعل بأسباب لا تعلمونها بينكم وبين أي في جميع الحد الفاصل بين المجموعين أو بين كل شخصين من الجمعين الذين عاديتم أي بالمخالفة في الدين منهم أي من هؤلاء الذين عادوكم بما تقدم بأعيانهم من أهل مكة مودة وقد جعل ذلك عام الفتح تحقيقا لما رجاه سبحانه، وأجرى سنته الإلهية بأن من عاديته فيه جعل عاقبة ذلك إلى ولاية عظيمة، ومن تهاونت في مقاطعته فيه سبحانه أقامه لك ضدا.
ولما كان التقدير: فالله بكم رفيق، عطف عليه تذكيرا لهم بما له سبحانه من العظمة قوله والله أي الذي له الإحاطة بالكمال: قدير أي بالغ القدرة على كل ما يريده فهو يقدر على تقليب القلوب وتيسير العسير، فلما تم الرجاء لم يبق إلا كدر الذنب [ ص: 507 ] فأتبعه تطييبا للقلوب مما نزلت هذه الآيات بسببه قوله: والله أي الذي له جميع صفات الكمال غفور أي محاء لأعيان الذنوب وآثارها رحيم يكرم الخاطئين إذا أراد بالتوبة ثم بالجزاء غاية الإكرام، قال الرازي في اللوامع: كان النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رضي الله عنه على بعض اليمن، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي أبا سفيان ذا الحجار مرتدا فقاتله، فكان أول من قاتل على الردة، فتلك المودة بعد المعاداة.