ولما ذكر العذاب ووقته وقدمهما ليكون السامع أقبل لما يطلب منه، أتبعهما السبب فيه مشيرا إلى ما به إصلاح أمر الآخرة التي فيها المعاد وإليها المنتهى والمآب، فقال مؤكدا لأجل تكذيبهم: إنا أرسلنا أي بما لنا من العظمة إليكم يا أهل مكة شرفا لكم خاصة، وإلى كل من بلغته الدعوة عامة رسولا [أي-] [ ص: 24 ] جدا [و - ] هو محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمامهم صلى الله عليه وسلم شاهدا عليكم أي بما تصنعون ليؤدي الشهادة عند طلبها منه بما هو الحق يوم ننزع من كل أمة شهيدا وهو يوم القيامة.
ولما كانت والدين ضعيف وأهله في غاية القلة والذلة ليعتبر بهم من آل به أمره إلى أن كان في زمان صار فيه الدين غريبا كغربته إذ ذاك، وكان هذه السورة من أول ما نزل فرعون أعتى الناس في زمانه وأجبرهم، وأشدهم خداعا وأمكرهم [و - ] كان بنو إسرائيل في غاية الذل له والطواعية لأمره، ومع ذلك فلما أرسل الله إليه موسى عليه السلام الذي ذبح فرعون أبناء بني إسرائيل لأجل أن يكون في جملة من ذبحه لأنه قيل له أنه يولد لبني إسرائيل مولود يكون هلاك القبط على يده أظهره به وأهلكه على قوته وأنجى منه بني إسرائيل على ضعفهم، قال [تعالى -] تنبيها لقريش والعرب وغيرهم على أن وتنبيها لهم على الاعتبار بحال هذا الطاغية الذي يزيد عليهم بالملك وكثرة الجنود والأموال: من كان الله معه لا ينبغي أن يقاوي ولو أنه أضعف الخلق، كما أرسلنا أي بما لنا من [ ص: 25 ] العظمة إلى فرعون أي ملك مصر رسولا ولعله نكره للتنبيه على أنه ليس من قوم فرعون فلا مانع له منه من حميم ولا شفيع يطاع، ليعلم أنه من كانت له قبيلة تحامي عنه أولى بالنصرة.