ولما كان التقدير: "فقد كتبنا عليهم طاعتك؛ والتسليم لك في هذه الحنيفية السمحة؛ التي دعوتهم إليها؛ وحملتهم عليها"؛ عطف عليه قوله: ولو أنا كتبنا عليهم ؛ أي: هذا المخاصم - رضي الله (تعالى) عنه - [ ص: 318 ] وأشباه هذا المخاصم؛ ممن ضعف إيمانه؛ كتابة مفروضة؛ للزبير أن اقتلوا أنفسكم ؛ أي: كما كان في التوراة؛ في كفارة بعض الذنوب؛ مباشرة حقيقة؛ وكما فعل المهاجرون بتعريض أنفسهم لذلك ثلاث عشرة سنة؛ هم فيها عند أعداء الله مضغة لحم؛ بين يدي نسور يتخاطفونها؛ أو اخرجوا ؛ كما فعل المهاجرون - رضي الله (تعالى) عنهم -؛ الذين الزبير من رؤوسهم؛ من دياركم ؛ أي: التي هي لأشباحكم كأشباحكم لأرواحكم - توبة لربكم؛ ما فعلوه ؛ أي: لقصور إيمانهم؛ وضعف إيقانهم؛ ولو كتبناه عليهم ولم يرضوا به كفروا؛ فاستحقوا القتل.
ولما كان كل كدر لا يخلو عن خلاصه؛ قال: إلا قليل منهم ؛ أي: وهم العالمون بأن الله - سبحانه وتعالى - خير لهم من أنفسهم؛ وأن حياتهم إنما هي في طاعته; روي أن من هؤلاء - رضي الله (تعالى) عنه -؛ قال: "أما والله إن الله ليعلم مني الصدق؛ لو أمرني ثابت بن قيس بن شماس محمد أن أقتل نفسي لقتلتها"؛ وكذا قال ابن مسعود - رضي الله عنهما -؛ وروي عن وعمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه قال: "والله لو أمرنا ربنا لفعلنا؛ والحمد لله الذي لم يفعل بنا ذلك"؛ ولا ريب في أن التقدير: "ولكنا لم نكتب عليهم؛ فليشكروا لنا؛ ويستمسكوا [ ص: 319 ] بهذه الحنيفية السمحة". عمر
ولما كان مبنى السورة على الائتلاف؛ وكان السياق للاستعطاف؛ قال – مرغبا -: ولو أنهم ؛ أي: هؤلاء المنافقين؛ فعلوا ما يوعظون ؛ أي: يجدد لهم الوعظ في كل حين؛ به لكان ؛ أي: فعلهم ذلك؛ خيرا لهم ؛ أي: مما اختاروه لأنفسهم؛ وأشد تثبيتا ؛ أي: مما ثبتوا به أنفسهم بالأيمان الحانثة؛