ولما كان سبب إبطانهم خلاف ما يظهرونه اعتقاد أنه - صلى الله عليه وسلم - رئيس؛ لا يعلم إلا ما أظهروه؛ لا رسول من الله الذي يعلم السر وأخفى; سبب عن ذلك - على وجه الإنكار - إرشادهم [ ص: 340 ] إلى الاستدلال على رسالته؛ بما يزيح الشك؛ ويوضح الأمر؛ وهو تدبر هذا القرآن المتناسب المعاني؛ المعجز المباني؛ الفائت لقوى المخاليق؛ المظهر لخفاياهم؛ على اجتهادهم في إخفائها؛ فقال - سبحانه وتعالى - دالا على وجوب النظر في القرآن؛ والاستخراج للمعاني منه -: أفلا يتدبرون ؛ أي: يتأملون؛ يقال: "تدبرت الشيء"؛ إذا تفكرت في عاقبته؛ وآخر أمره؛ القرآن ؛ أي: الجامع لكل ما يراد علمه من تمييز الحق من الباطل؛ على نظام لا يختل؛ ونهج لا يمل; قال المهدوي: وهذا دليل على وجوب وفساد قول من قال: لا يجوز أن يؤخذ منه إلا ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ومنع أن يتأول على ما يسوغه لسان تعلم معاني القرآن؛ العرب؛ وفيه دليل على النظر والاستدلال.
ولما كان التقدير: "فلو كان من عند غير الله لم يخبر بأسرارهم"؛ عطف عليه قوله: ولو كان من عند غير الله ؛ أي: الذي له الإحاطة الكاملة - كما زعم الكفار -؛ لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ؛ أي: في المعنى؛ بالتناقض؛ والتخلف عن الصدق في الإخبار بالمغيبات؛ أو بعضها؛ وفي النظم؛ بالتفاوت في الإعجاز; فإذا علموا أنه من عند الله بهذا الدليل القطعي؛ حفظوا سرائرهم كما يحفظون علانياتهم؛ لأن الأمر بالطاعة مستو عند السر والعلن; والتقيد بالكثير يفيد أن المخلوق عاجز عن [ ص: 341 ] التحرز من النقص العظيم بنفسه؛ وإفهامه - عند استثناء نقيض التالي - وجود الاختلاف اليسير فيه؛ تدفعه الصرائح.