ولما كان القصد إعلامهم بالبراءة منهم من كل وجه، وأنه لا يبالي بهم بوجه لأنه محفوظ منهم، قال مؤذنا بصدق خبره تعالى آخر الكوثر من حيث إنه مع الجزم بالمنابذة لا يستطيعون له نوع مكابدة نافذة، بادئا بالبراءة من جهته لأنها الأهم: لا أعبد أي الآن ولا في مستقبل الزمان لأن " لا " للمستقبل و " ما " للحال، كذا قالوا، وظاهر عبارة في قوله: " لن " نفي لقوله " سيفعل " " ولا " لقوله: " يفعل " ، ولم يقع: [ ص: 305 ] أنها تقع للمضارع الذي لم يقع سواء كان في غاية القرب من الحال أم لا، كما نقلته عنه في أول البقرة عند سيبويه ولن تفعلوا على أن نطقنا بهذا الكلام لا يكاد يتحقق حتى يمضي زمن فيصير [مستقبلا -]، فلذا عبر بـ "لا" دون "ما" بشارة بأنه سبحانه يثبته على الصراط المستقيم، ولا يظفرهم به - علما من أعلام النبوة.
ولما كان في معبوداتهم ما لا يعقل، وكان المقصود تحقير كل ما عبدوه سوى الله، عبر بـ "ما" فقال: ما تعبدون أي الآن وفي آتي الزمان من دون الله من المعبودات الظاهرة والباطنة بوجه من وجوه العبادة في سر ولا علن لأنه لا يصلح العبادة بوجه.