ولما كان هو صلى الله عليه وسلم ثابتا على إله واحد لم يعبد غيره ولم يلتفت يوما لفت سواه، وكان قد انتفى عنه بالجملتين هذه الماضية التي أول السورة أن يعبد باطلهم حالا أو مآلا، وأن يكون عبده قبل ذلك، وكان ربما ظن ظان أن النفي عنهم إنما هو لعبادة معبوده في الحال، نفى ذلك في الاستقبال أيضا علما من أعلام النبوة مع تأكيد ما أفادته الجملة الماضية جريا على مناهيج العرب في التأكيد قطعا لآمالهم منه على أتم وجه وآكده لأنه على وجه لا يقدرون عليه لما تفيده كل جملة مع التأكيد من فائدة جديدة مهمة، فقال: ولا أنتم عابدون أي عبادة هي لكم وصف معتد به في الحال أو الاستقبال.
ولما لم يكن قبل البعث مشهورا عندهم بعبادة الله سبحانه وتعالى، عبر بما لا يتوجه [لهم -] إليه إنكار، وهو المضارع الذي ظاهره [ ص: 308 ] الحال أو الاستقبال مرادا به ما يشمل الماضي لما ذكر أبو حيان وغيره في سورة الحج عند إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله من أنه يطلق المضارع مرادا به مجرد إيقاع الفعل من غير نظر إلى زمان معين، فقال: ما أعبد أي وجدت مني عبادته واتصفت بها الآن وفي ماضي الزمان ومستقبله اتصافا يعتد به.