وقد ؛ [ ص: 438 ] ؛ أي: يتخذونهم والحال أنه قد نـزل عليكم ؛ أي: أيتها الأمة؛ الصادقين منكم؛ والمنافقين؛ في الكتاب ؛ أي: في سورة "الأنعام"؛ النازلة بمكة المشرفة؛ النهي عن مجالستهم؛ فضلا عن ولايتهم؛ أفلا تخافون عزة من نهاكم عن ذلك أن يضربكم بذل لا تخلصون منه أبدا؟ لأنهم لا ينفكون عن الكفر بآيات الله؛ فإنه لا تباح ولايتهم في حال من الأحوال؛ إلا عند الإعراض عن الكفر؛ وذلك هو المراد من قوله: أن ؛ أي: أنه إذا سمعتم آيات الله ؛ أي: ذي الجلال والإكرام؛ ولما كان السماع مجملا؛ بين المراد بقوله: يكفر بها ؛ أي: يستر ما أظهرت من الأدلة؛ من أي كافر كان؛ من اليهود وغيرهم؛ ويستهزأ بها ؛ أي: يطلب طلبا شديدا أن تكون مما يهزأ به؛ فلا تقعدوا معهم ؛ أي: الذين يفعلون ذلك بها؛ حتى يخوضوا ؛ وعبر عن الشروع بالخوض؛ إيماء إلى أن كلامهم لا يخلو عن شيء في غير موضعه؛ رمزا إلى عدم مجالستهم على كل حال؛ في حديث غيره ؛ فهذا نهي من مجرد مجالستهم؛ فكيف بولايتهم؟!
ولما كانت آية "الأنعام"؛ مكية؛ اقتصر فيها على مجرد الإعراض؛ وقطع المجالسة؛ لعدم التمكن من الإنكار بغير القلب؛ وأما هذه الآية فمدنية؛ فالتغيير عند إنزالها باللسان؛ واليد؛ ممكن لكل مسلم؛ فالمجالس من [ ص: 439 ] غير نكير راض؛ فلهذا علل بقوله: إنكم إذا ؛ أي: إذا قعدتم معهم؛ وهم يفعلون ذلك؛ مثلهم ؛ أي: في الكفر؛ لأن مجالسة المظهر للإيمان؛ المصرح بالكفران؛ دالة على أن إظهاره لما أظهر نفاق؛ وأنه راض بما يصرح به هذا الكافر؛ والرضا بالكفر كفر؛ فاشتد حسن ختم الآية بجمع الفريقين في جهنم؛ بقوله - مستأنفا لجواب السؤال عما تكون به المماثلة -: إن الله ؛ أي: الذي أحاط علمه؛ فتمت قدرته؛ جامع ؛ ولما كان حال الأخفى أهم؛ قدم قوله: المنافقين ؛ أي: الذين يظهرون الإيمان؛ ويبطنون الكفر؛ فيقعدون مع من يسمعونه يكفر؛ والكافرين ؛ أي: الذين يجاهرون بكفرهم؛ لرسوخهم فيه؛ في جهنم ؛ التي هي سجن الملك؛ جميعا ؛ كما جمعهم معهم مجلس الكفر؛ الذي هو طعن في ملك الملك؛ والتسوية بينهم في الكفر؛ بالقعود معهم؛ دالة على التسوية بين العاصي ومجالسه بالخلطة؛ من غير إنكار;