[ ص: 296 ] ولما فصل الغنم إلى ضأن ومعز ، أغنى ذلك عن تنويع الإبل إلى العراب والبخت والبقر إلى العراب والجواميس ، [ - ولأن هذه يتناتج بعضها من بعض بخلاف الغنم فإنها لا يطرق أحد نوعيها الآخر - نقله الشيخ بدر الدين الزركشي في كتاب (الوصايا) من شرح المنهاج عن كتاب الأعداد لابن سراقة ] فقال : ومن الإبل اثنين أي : ذكرا وأنثى ومن البقر اثنين أي : كذلك قل أي : لهؤلاء الذين اختلقوا جهلا وسفها ما تقدم عنهم آلذكرين أي : من هذين النوعين حرم أي : حرمهما الله أم الأنثيين أي : حرمهما أما أي : الذي اشتملت عليه أي : ذلك المحرم على زعمكم أرحام الأنثيين أي : حرمهما الله .
ولما كان التقدير : أجاءكم هذا عن الله الذي لا حكم لغيره على لسان نبي؟ عادله توبيخا لهم وإنكارا عليهم بقوله : أم كنتم شهداء أي : حاضرين إذ وصاكم الله أي : الذي لا ملك غيره فلا حكم لسواه بهذا أي : كما جزمتم عليه به ، أو جزمتم بالحرمة فيما حرمتموه والحل فيما أحللتموه ، ولا محرم ولا محلل غير الله ، فكنتم بذلك ناسبين الحكم إليه; ولما كان التقدير كما أنتجه السياق : لقد كذبتم على الله حيث نسبتم إليه ما لم تأخذوه عنه لا بواسطة ولا بغير واسطة ، سبب عنه قوله [ ص: 297 ] معمما ليعلم أن هذا إذا كان في التحريم والتحليل كان الكذب في أصول الدين أشد : فمن أظلم ووضع موضع (منكم) قوله معمما ومعلقا للحكم بالوصف : ممن افترى أي : تعمد على الله أي : الذي لا أعظم منه لأنه ملك الملوك كذبا كعمرو بن لحي الذي غير شريعة إبراهيم - عليه السلام - وكل من فعل مثل فعله .
ولما كان يلزم من شرعهم لهذه الأمور إضلال من تبعهم فيها عن الصراط السوي ، وكانوا يدعون أنهم أفطن الناس وأعرفهم بدقائق الأمور في بداياتها ونهاياتها وما يلزم عنها - جعل غاية فعلهم مقصودا لهم تهكما بهم ، فقال : ليضل الناس ولما كان الضلال قد يقع من العالم الهادي خطأ - قال : بغير علم
ولما كان هذا محل عجب ممن يفعل هذا - كشفه - سبحانه - بقوله استئنافا : إن الله وهو الذي لا حكم لأحد سواه لا يهديهم ، هكذا كان الأصل ولكنه أظهر تعميما بما هو أعم من وصفهم ليكون الحكم عليهم بطريق الأولى فقال : لا يهدي القوم الظالمين أي : الذين يضعون الأشياء في غير مواضعها فكيف بالأظلمين! وما أحسن هذا الختم لأحكامهم وأنسبه لما بناها عليه من قوله إنه لا يفلح الظالمون