ولما كان من أعظم ما يتذكر سار النعم وضار النقم للإقبال على الله والإعراض عما سواه وعدم الاغترار بأسباب الأمن والراحة - قال : وكم أي : قل تذكركم وخوفكم من سطواتنا والحال أنه [ ص: 356 ] كم من قرية وإن جلت. ولما كان المراد المبالغة في الإهلاك ، أسنده إلى القرية والمراد أهلها فقال : أهلكناها أي : بما لنا من العظمة لظلمها باتباع من دون الله ، فلا تغتروا بأوليائكم من دونه وأنتم عالمون بأنهم لم ينفعوا من ضل من الأمم السالفة وقت إنزالنا بهم السطوة وإحلالنا بهم النقمة وتحقق المهلكون إذ ذاك - مع أنهم كانوا أشد بطشا وأكثر عددا وأمتن كيدا - عدم إغنائهم فلم يوجهوا آمالهم نحوهم .
ولما كان المعنى : أردنا إهلاكها وحكمنا به ، سبب عنه قوله : فجاءها بأسنا أي : عذابنا بما لنا من القوة والعظمة . أو الإهلاك على حقيقته وهذا تفصيل له وتفسير. ولما كان لا فرق في إتيان عذابه - سبحانه - بين كونه ليلا أو نهارا ، وكان أفحش البأس وأشده ما كان في وقت الراحة والدعة والغفلة - قال : بياتا أي : وقت الاستكنان في البيوت ليلا كما أهلك قوم لوط - عليه السلام - وقت السحر .
ولما كان المراد بالقرية أهلها - بينه بقوله [لأنه إذا حذف المضاف جاز فيه اعتباران بحسب ما يحسن من المعنى : أن لا يلتفت إليه - كما في أول الآية ، وأن يلتفت إليه - كما في هذا الأخير لبيان أن الأهل هم المقصودون بالذات لأنه موضع التهديد] : أو هم قائلون أي [ ص: 357 ] نائمون وقت القائلة أو مستريحون من غير نوم كما أهلك قوم شعيب - عليه السلام - يعني : أنهم كانوا في كل من الوقتين غافلين بسبب أنهم كانوا آمنين ، لم يظنوا أن شيئا من أعمالهم موجب للعذاب ولا كانوا مترقبين لشيء منه ، فالتقدير : بياتا هم فيه بائتون أي : نائمون ، أو قائلة هم فيها قائلون أي : نائمون ، فالآية من الاحتباك : دل إثبات (بياتا) أولا على حذف (قائلة) ثانيا ، وإثبات (هم قائلون) ثانيا على حذف (هم نائمون) أولا ، والذي أرشدنا إلى هذا المعنى الحسن سوق (هم) من غير واو ، وهذا قريب من قوله تعالى فيما يأتي :
أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون فالأقرب أن يكون المحذوف أولا نائمون ، وثانيا نهارا ، فيكون التقدير : بياتا هم فيه نائمون ، أو نهارا هم فيه قائلون ، وبين عظمة ما جاءهم وهوله بأنهم في كل من الوقتين لم يقع في فكر أحد منهم التصويب إلى مدافعته بما سبب عن ذلك من قوله :