ولما جعل أمارتهم في ولاية الشيطان عدم الإيمان عطف على ذلك أمارة أخرى ، فقال : وإذا فعلوا فاحشة أي : أمرا بالغا في القبح كالشرك وكشف العورة في الطواف قالوا معللين لارتكابهم إياها وجدنا عليها أي : الفاحشة آباءنا ولما كانت هذه العلة ظاهرا عارها بينا عوارها ، ضموا إليها - افتراء - ما يصلح للعلية ، فقالوا معبرين بالاسم الأعظم غير محتشمين من جلاله وعظمته وكماله : والله أمرنا بها
ولما كانت العلة الأولى ملغاة ، وكان العلم ببطلانها بديهيا ؛ لأن من المعلوم أنهم لو وجدوهم على سفه في تحصيل المال ما تابعوهم; أعرض عنها إشارة إلى ذلك ، وأمر بالجواب عن الثانية التي هي افتراء على الملك الأعلى مع ادعائهم أنهم أبعد الناس عن مطلق الكذب وأشدهم تحريا بقوله : قل إن الله أي : الذي له الكمال كله لا يأمر بالفحشاء أي : بشيء من هذا الجنس .
ولما كان الكذب قبيحا في نفسه وهو عندهم أقبح القبيح مطلقا ، فكيف به على كبير منهم فكيف إذا كان على أعظم العظماء! - قال منكرا عليهم موبخا لهم مهددا : أتقولون على الله أي : الذي له جميع العظمة ما لا تعلمون لأنكم لم تسمعوا ذلك عن الله بلا واسطة ولا نقل إليكم بطريق صحيح عن نبي من الأنبياء - عليهم السلام - وفيه [ ص: 385 ] تهديد شديد على الجهل والقول على الله بالظن .