ولما كان تكذيب الرسل تارة يكون بشرع شيء لم يشرعوه ، [ ص: 396 ] وتارة برد ما شرعوه قولا وفعلا ، وأخبر أن المكذبين أهل النار - علل ذلك بقوله : فمن أظلم أي : أشنع ظلما ممن افترى أي : تعمد على الله أي : الملك الأعلى كذبا أي : كمن ، أو ادعى أنه يوحى إليه فحكم بوجود ما لم يوجد شرع في المطاعم والملابس غير ما شرع أو كذب بآياته أي : برد ما أخبر به الرسل فحكم بإنكار ما وجد .
ولما كان الجواب : لا أحد أظلم من هذا ، بل هو أظلم الناس ، وكان مما علم أن الظالم مستحق للعقوبة فكيف بالأظلم قال : أولئك أي : البعداء من الحضرات الربانية ينالهم نصيبهم من الكتاب أي : الذي كتب حين نفخ الروح أو من الآجال التي ضربها - سبحانه - لهم والأرزاق التي قسمها ، تأكيدا لرد اعتراض من قال : إن كنا خالفنا فما له لا يهلكنا؟ ثم غيى نيل النصيب بقوله : حتى إذا جاءتهم رسلنا أي : الذين قسمنا لهم من عظمتنا ما شئنا حال كونهم يتوفونهم أي : يقبضون أرواحهم كاملة من جميع أبدانهم قالوا أين ما كنتم عنادا كمن هو في جبلته تدعون أي : دعاء عبادة من دون الله أي : تزعمون أنهم واسطة لكم عند الملك الأعظم وتدعونهم حال كونكم معرضين عن الله ، ادعوهم الآن ليمنعوكم من عذاب الهوان الذي نذيقكم قالوا ضلوا أي : غابوا عنا فلا ناصر لنا. [ ص: 397 ] ولما كان الإله لا يغيب فعلموا ضلالهم بغيبتهم عنهم - قال مترجما عن ذلك : وشهدوا على أنفسهم أي : بالغوا في الاعتراف أنهم كانوا كافرين أي : ساترين عنادا لما كشف لهم عنه نور العقل فلا مانع منه إلا حظوظ النفوس ولزوم البؤس .