وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون
423 [ ص: 423 ] قوله تعالى: وقالت اليهود عزير ابن الله قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، "عزير ابن الله" بغير تنوين . وقرأ وحمزة: عاصم ، والكسائي ، ويعقوب ، عن وعبد الوارث منونا . قال أبي عمرو: من نون عزيرا رفعه على الابتداء ، "وابن" خبره . ولا يحسن حذف التنوين على هذا من "عزير" لالتقاء الساكنين . ولا تحذف ألف "ابن" من الخط ، ويكسر التنوين لالتقاء الساكنين . ومن لم ينون "عزيرا" جعله أيضا مبتدأ ، و"ابن" صفة له; فيحذف التنوين على هذا استخفافا لالتقاء الساكنين ، ولأن الصفة مع الموصوف كالشيء الواحد ، وتحذف ألف "ابن" من الخط ، والخبر مضمر تقديره: مكي بن أبي طالب: عزير ابن الله نبينا وصاحبنا . وسبب نزولها أن سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم أن عزير ابن الله؟ فنزلت هذه الآية ، قاله وقال ابن عباس . ابن عمر ، إن القائل لذلك وابن جريج: فنحاص . فأما العزير ، فقال شيخنا أبو منصور اللغوي: هو اسم أعجمي معرب ، وإن وافق لفظ العربية ، فهو عبراني; كذا قرأته عليه . وقال العزير عند كل النحويين: عربي مشتق من قوله: يعزروه . وقال مكي بن أبي طالب: : إنما قالوا ذلك ، لأنهم لما علموا بغير الحق ، أنساهم الله التوراة ، ونسخها من صدورهم ، فدعا ابن عباس عزير الله تعالى; فعاد إليه الذي نسخ من صدورهم ، ونزل نور من السماء فدخل جوفه ، فأذن في قومه فقال: قد آتاني الله التوراة; فقالوا: ما أوتيها إلا لأنه ابن الله . وفي رواية عن أن ابن عباس: بختنصر [ ص: 424 ] لما ظهر على بني إسرائيل ، وهدم بيت المقدس ، وقتل من قرأ التوراة ، كان عزير غلاما ، فتركه . فلما توفي عزير ببابل ، ومكث مائة عام ، ثم بعثه الله تعالى إلى بني إسرائيل ، فقال: أنا عزير; فكذبوه وقالوا: قد حدثنا آباؤنا أن عزيرا مات ببابل ، فإن كنت عزيرا فأملل علينا التوراة; فكتبها لهم; فقالوا: هذا ابن الله .
وفي الذين قالوا هذا عن عزير ثلاثة أقوال .
أحدها: أنهم جميع بني إسرائيل ، روي عن والثاني: طائفة من سلفهم ، قاله ابن عباس . . والثالث: جماعة كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم قولان . الماوردي
أحدهما: فنحاص وحده ، وقد ذكرناه عن ابن عمر ، وابن جريج .
والثاني: الذين ذكرناهم في أول الآية عن ابن عباس .
فإن قيل: إن كان قول بعضهم ، فلم أضيف إلى جميعهم؟ فعنه جوابان .
أحدهما: أن إيقاع اسم الجماعة على الواحد معروف في اللغة ، تقول العرب: جئت من البصرة على البغال ، وإن كان لم يركب إلا بغلا واحدا .
والثاني: أن من لم يقله ، لم ينكره .
قوله تعالى: وقالت النصارى المسيح ابن الله في سبب قولهم هذا قولان .
أحدهما: لكونه ولد من غير ذكر .
والثاني: لأنه أحيى الموتى ، وأبرأ الكمه والبرص; وقد شرحنا هذا المعنى في (المائدة:110) .
قوله تعالى: ذلك قولهم بأفواههم إن قال قائل: هذا معلوم ، فما فائدته؟ فالجواب: أن المعنى: أنه قول بالفم ، لا بيان فيه ، ولا برهان ، ولا تحته معنى صحيح ، قاله . الزجاج
قوله تعالى: " يضاهون " قرأ الجمهور: من غير همز . وقرأ [ ص: 425 ] "يضاهئون" . قال عاصم: لم يتابع عاصما أحد على الهمز . قال ثعلب: وهي لغة . قال الفراء: : "يضاهون" يشابهون قول من تقدمهم من كفرتهم ، فإنما قالوه اتباعا لمتقدميهم . وأصل المضاهاة في اللغة: المشابهة; والأكثر ترك الهمز; واشتقاقه من قولهم: امرأة ضهياء ، وهي التي لا ينبت لها ثدي . وقيل: هي التي لا تحيض ، والمعنى: أنها قد أشبهت الرجال . قال الزجاج يقال: ضاهيت ، وضاهأت: إذا شبهت . وفي ابن الأنباري: الذين كفروا هاهنا ثلاثة أقوال .
أحدها: أنهم عبدة الأوثان ، والمعنى: أن أولئك قالوا: الملائكة بنات الله ، قاله ابن عباس .
والثاني: أنهم اليهود ، فالمعنى أن النصارى في قولهم: المسيح ابن الله ، شابهوا اليهود في قولهم: عزير ابن الله ، قاله قتادة ، والسدي .
والثالث: أنهم أسلافهم ، تابعوهم في أقوالهم تقليدا ، قاله ، الزجاج وابن قتيبة .
وفي قوله: قاتلهم الله ثلاثة أقوال .
أحدها: أن معناه: لعنهم الله ، قاله والثاني: قتلهم الله ، قاله ابن عباس . والثالث: عاداهم الله ، ذكره أبو عبيدة . ابن الأنباري .
قوله تعالى: أنى يؤفكون أي: من أين يصرفون عن الحق .
قوله تعالى: اتخذوا أحبارهم قد سبق في (المائدة:44) معنى الأحبار والرهبان . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن هذه الآية ، فقال "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه" . فعلى هذا المعنى: أنهم جعلوهم كالأرباب وإن لم يقولوا: إنهم أرباب . [ ص: 426 ] قوله تعالى: والمسيح ابن مريم قال : اتخذوه ربا . ابن عباس