انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون
قوله تعالى: انفروا خفافا وثقالا سبب نزولها أن المقداد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عظيما سمينا ، فشكا إليه وسأله أن يأذن له ، فنزلت هذه الآية قاله السدي . وفي معنى "خفافا وثقالا" أحد عشر قولا .
أحدها: شيوخا وشبابا ، رواه أنس عن أبي طلحة ، وبه قال الحسن ، والشعبي ، وعكرمة ، ومجاهد ، وأبو صالح ، وشمر بن عطية ، وابن زيد في آخرين .
والثاني: رجالة وركبانا ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال الأوزاعي .
والثالث: نشاطا وغير نشاط ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، ومقاتل .
والرابع: أغنياء وفقراء ، روي عن ابن عباس . ثم في معنى هذا الوجه قولان . أحدهما: أن الخفاف: ذوو العسرة وقلة العيال ، والثقال: ذوو العيال والميسرة ، قاله الفراء . والثاني: أن الخفاف: أهل الميسرة ، والثقال: أهل العسرة ، حكي عن الزجاج .
والخامس: ذوي عيال ، وغير عيال . قاله زيد بن أسلم .
والسادس: ذوي ضياع ، وغير ذوي ضياع ، قاله ابن زيد .
والسابع: ذوي أشغال ، وغير ذوي أشغال ، قاله الحكم .
[ ص: 443 ] والثامن: أصحاء ، ومرضى ، قاله مرة الهمداني ، وجويبر .
والتاسع: عزابا ومتأهلين ، قاله يمان بن رياب .
والعاشر: خفافا إلى الطاعة ، وثقالا عن المخالفة ، ذكره الماوردي .
والحادي عشر: خفافا من السلاح ، وثقالا بالاستكثار منه ، ذكره الثعلبي .
فصل
روى عطاء الخراساني عن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بقوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافة [التوبة:122] . وقال السدي: نسخت بقوله: ليس على الضعفاء ولا على المرضى [التوبة:91] .
قوله تعالى: وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم قال القاضي أبو يعلى: أوجب الجهاد بالمال والنفس جميعا ، فمن كان له مال وهو مريض أو مقعد أو ضعيف لا يصلح للقتال ، فعليه الجهاد بماله ، بأن يعطيه غيره فيغزو به ، كما يلزمه الجهاد بنفسه إذا كان قويا . وإن كان له مال وقوة ، فعليه الجهاد بالنفس والمال . ومن كان معدما عاجزا ، فعليه الجهاد بالنصح لله ورسوله ، لقوله: ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله [التوبة:91] .
[ ص: 444 ] قوله تعالى: ذلكم خير لكم فيه قولان .
أحدهما: ذلكم خير لكم من تركه والتثاقل عنه .
والثاني: ذلكم الجهاد خير حاصل لكم إن كنتم تعلمون ما لكم من الثواب .


