إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت [ ص: 21 ] الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون
قوله تعالى: " إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء " هذا مثل ضربه الله للدنيا الفانية ، فشبهها بمطر نزل من السماء " فاختلط به نبات الأرض " يعني التف النبات بالمطر ، وكثر " مما يأكل الناس " من الحبوب وغيرها " والأنعام " من المرعى . " حتى إذا أخذت الأرض زخرفها " قال ابن قتيبة : زينتها بالنبات . وأصل الزخرف : الذهب ، ثم يقال للنقش والنور والزهر وكل شيء زين : زخرف . وقال : الزخرف كمال حسن الشيء . الزجاج
قوله تعالى : " وازينت " قرأه الجمهور " وازينت " بالتشديد . وقرأ ، سعد بن أبي وقاص ، وأبو عبد الرحمن ، والحسن : بفتح الهمزة وقطعها ساكنة الزاي : ، على وزن وأفعلت . قال وابن يعمر : من قرأ " وازينت " بالتشديد ، فالمعنى : وتزينت ، فأدغمت التاء في الزاي : ، وأسكنت الزاي : فاجتلبت لها ألف الوصل ; ومن قرأ " وأزينت " بالتخفيف على أفعلت ، فالمعنى : جاءت بالزينة . وقرأ الزجاج ، أبي : " وتزينت " . وابن مسعود
قوله تعالى : " وظن أهلها " أي : أيقن أهل الأرض " أنهم قادرون عليها " أي : على ما أنبتته ، فأخبر عن الأرض ، والمراد النبات ، لأن المعنى مفهوم . " أتاها أمرنا " أي : قضاؤنا بإهلاكها " فجعلناها حصيدا " أي : محصودا لا شيء فيها . والحصيد : المقطوع المستأصل . " كأن لم تغن بالأمس " قال : لم تعمر . والمغاني : المنازل التي يعمرها الناس بالنزول فيها . يقال : غنينا بالمكان : إذا نزلوا به . وقرأ الزجاج : " كأن لم يغن " بالياء ، يعني الحصيد . قال بعض المفسرين : [ ص: 22 ] تأويل الآية : أن الحياة في الدنيا سبب لاجتماع المال وما يروق من زهرة الدنيا ويعجب ، حتى إذا استتم ذلك عند صاحبه ، وظن أنه ممتع بذلك ، سلب عنه بموته ، أو بحادثة تهلكه ، كما أن الماء سبب لالتفاف النبات وكثرته ، فإذا تزينت به الأرض ، وظن الناس أنهم مستمتعون بذلك ، أهلكه الله ، فعاد ما كان فيها كأن لم يكن . الحسن