قوله تعالى : " وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة " أي : ألحقوا لعنة تنصرف معهم . " ويوم القيامة " أي : وفي يوم القيامة لعنوا أيضا . " ألا إن عادا كفروا ربهم " أي : بربهم فحذف الباء ، وأنشدوا :
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به [فقد تركتك ذا مال وذا نشب]
قال الزجاج : قوله : " ألا " ابتداء وتنبيه ، و " بعدا " منصوب على معنى : أبعدهم الله فبعدوا بعدا ، والمعنى : أبعدهم من رحمته .
[ ص: 123 ] قوله تعالى : " هو أنشأكم من الأرض " فيه قولان :
أحدهما : خلقكم من آدم ، وآدم خلق من الأرض . والثاني : أنشأكم في الأرض .
وفي قوله : " واستعمركم فيها " ثلاثة أقوال :
أحدها : أعمركم فيها أي : جعلكم ساكنيها مدة أعماركم ، ومنه العمرى ، وهذا قول مجاهد .
والثاني : أطال أعماركم ، وكانت أعمارهم من ألف سنة إلى ثلاثمائة ، قاله الضحاك .
والثالث : جعلكم عمارها ، قاله أبو عبيدة .
قوله تعالى : " قد كنت فينا مرجوا قبل هذا " فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنهم كانوا يرجونه للمملكة بعد ملكهم ، لأنه كان ذا حسب وثروة ، قاله كعب .
والثاني : أنه كان يبغض أصنامهم ويعدل عن دينهم ، وكانوا يرجون رجوعه إلى دينهم ، فلما أظهر إنذارهم ، انقطع رجاؤهم منه ، وإلى نحو هذا ذهب مقاتل .
والثالث : أنهم كانوا يرجون خيره ، فلما أنذرهم ، زعموا أن رجاءهم لخيره قد انقطع ، ذكره الماوردي .
قوله تعالى : " وإننا لفي شك " إن قال قائل : لم قال هاهنا : " وإننا " وقال في (إبراهيم) : " وإنا " ؟
[ ص: 124 ] فالجواب : أنهما لغتان من لغات قريش السبع التي نزل القرآن عليها . قال الفراء : من قال : " إننا " أخرج الحرف على أصله ، لأن كناية المتكلمين " نا " فاجتمعت ثلاث نونات ، نونا " إن " والنون المضمومة إلى الألف ; ومن قال : " إنا " استثقل الجمع بين ثلاث نونات ، وأسقط الثالثة ،وأبقى الأوليين ; وكذلك يقال : إني وإنني ، ولعلي ولعلني ـ وليتي وليتني ، قال الله في اللغة العليا : لعلي أبلغ الأسباب [غافر :36] ، وقال الشاعر في اللغة الأخرى :
أريني جوادا مات هزلا لعلني أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
وقال تعالى : يا ليتني كنت معهم [النساء :73] ، وقال الشاعر :
كمنية جابر إذ قال ليتي أصادفه وأتلف بعض مالي
فأما المريب ، فهو الموقع للريبة والتهمة . والرحمة يراد بها هاهنا : النبوة .
قوله تعالى : " فما تزيدونني غير تخسير " التخسير : النقصان .
وفي معنى الكلام قولان :
أحدهما : فما تزيدونني غير بصارة في خسارتكم ، قاله ابن عباس . وقال الفراء : المعنى : فما تزيدونني غير تخسير لكم ، أي : كلما اعتذرتم عندي بعذر فهو يزيدكم تخسيرا . وقال ابن الأعرابي : غير تخسير لكم ، لا لي . وقال بعضهم : المعنى : فما تزيدونني بما قلتم إلا نسبتي لكم إلى الخسارة .
[ ص: 125 ] والقول الثاني : فما تزيدونني غير الخسران إن رجعت إلى دينكم ، وهذا معنى قول مقاتل .
فإن قيل : فظاهر هذا أنه كان خاسرا ، فزادوه خسارا ، فقد أسلفنا الجواب في قوله : لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا [التوبة :47] .
قوله تعالى : " هذه ناقة الله لكم آية " قد شرحناها في سورة [الأعراف :73] .
قوله تعالى : " تمتعوا في داركم " أي : استمتعوا بحياتكم ، وعبر عن الحياة بالتمتع ، لأن الحي يكون متمتعا بالحواس .
قوله تعالى : " ثلاثة أيام " قال المفسرون : لما عقرت الناقة صعد فصيلها إلى الجبل ، ورغا ثلاث مرات ، فقال صالح : لكل رغوة أجل يوم ، ألا إن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودة ; فلما أصبحوا في اليوم الأول ، إذا وجوههم مصفرة ، فصاحوا وضجوا وبكوا ، وعرفوا أنه العذاب ، فلما أصبحوا في اليوم الثاني ، إذا وجوههم محمرة ، فضجوا ، وبكوا ، فلما أصبحوا في اليوم الثالث ، إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار ، فصاحوا جميعا : ألا قد حضركم العذاب ; فتكفنوا وألقوا أنفسهم بالأرض ، لا يدرون من أين يأتيهم العذاب ، فلما أصبحوا في اليوم الرابع ، أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم . وقال مقاتل : حفروا لأنفسهم قبورا ، فلما ارتفعت الشمس من اليوم الرابع ، ولم يأتهم العذاب ، ظنوا أن الله قد رحمهم ، فخرجوا من قبورهم يدعو بعضهم بعضا ، إذ نزل جبريل فقام فوق المدينة فسد ضوء الشمس ، فلما عاينوه دخلوا قبورهم ، فصاح بهم صيحة : موتوا عليكم لعنة الله فخرجت أرواحهم ، وتزلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم .
قوله تعالى : " ذلك وعد " أي : العذاب " غير مكذوب " أي : غير كذب .
[ ص: 126 ] قوله تعالى : " ومن خزي يومئذ " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، " يومئذ " بكسر الميم . وقرأ الكسائي بفتحها مع الإضافة . قال مكي : من كسر الميم ، أعرب ، وخفض ، لإضافة الخزي إلى اليوم ، ولم يبنه ; ومن فتح ، بنى اليوم على الفتح ، لإضافته إلى غير متمكن ، وهو " إذ " . وقرأ ابن مسعود " ومن خزي " بالتنوين ، " يومئذ " بفتح الميم . قال ابن الأنباري : هذه الواو في قوله : " ومن خزي " معطوفة على محذوف ، تقديره : نجيناهم من العذاب ومن خزي يومئذ . قال : ويجوز أن تكون دخلت لفعل مضمر ، تأويله : نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ، ونجيناهم من خزي يومئذ . قال : وإنما قال : " وأخذ " لأن الصيحة محمولة على الصياح .
قوله تعالى : " ألا بعدا لثمود " اختلفوا في صرف " ثمود " وترك إجرائه في خمسة مواضع : في (هود :69) ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ، وفي (الفرقان :38) وعادا وثمود وأصحاب الرس ، وفي (العنكبوت :38) وعادا وثمود وقد تبين لكم ، وفي (النجم :51) وثمود فما أبقى . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع ، وابن عامر بالتنوين في أربعة مواضع منها ، وتركوا " ألا بعدا لثمود " فلم يصرفوه . وقرأ حمزة بترك صرف هذه الخمسة الأحرف ، وصرفهن الكسائي . واختلف عن عاصم ، فروى حسين الجعفي عن أبي بكر عنه أنه أجرى الأربعة الأحرف مثل أبي عمرو ; وروى يحيى بن آدم أنه أجرى ثلاثة ، في (هود :69) " ألا إن ثمودا " ، وفي (الفرقان :38) ، و(العنكبوت :38) . وروى حفص عنه أنه لم يجر شيئا منها مثل حمزة .
واعلم أن ثمودا يراد به القبيلة تارة ، ويراد به الحي تارة ، فإذا أريد به القبيلة ، [ ص: 127 ] لم يصرف ، وإذا أريد به الحي ، صرف . وما أخللنا به ، فقد سبق تفسيره [الأعراف :73 ، والتوبة :70] إلى قوله : " ولقد جاءت رسلنا إبراهيم " .
والرسل هاهنا : الملائكة وفي عددهم ستة أقوال :
أحدها : أنهم كانوا ثلاثة ، جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير . وقال مقاتل : جبريل ، وميكائيل ، وملك الموت . والثاني : أنهم كانوا اثني عشر ، روي عن ابن عباس أيضا . والثالث : ثمانية ، قاله محمد بن كعب . والرابع : تسعة ، قاله الضحاك . والخامس : أحد عشر ، قاله السدي . والسادس : أربعة ، حكاه الماوردي .
وفي هذه البشرى أربعة أقوال :
أحدها : أنها البشرى بالولد ، قاله الحسن ، ومقاتل . والثاني : بهلاك قوم لوط ، قاله قتادة . والثالث : بنبوته ، قاله عكرمة . والرابع : بأن محمدا يخرج من صلبه ، ذكره الماوردي .
قوله تعالى : " قالوا سلاما " قال ابن الأنباري : انتصب بالقول ، لأنه حرف مقول ، والسلام الثاني مرفوع بإضمار " عليكم " . وقال الفراء : فيه وجهان :
أحدهما : أنه أضمر " عليكم " كما قال الشاعر :
فقلنا السلام فاتقت من أميرها فما كان إلا ومؤها بالحواجب
والعرب تقول : التقينا فقلنا : سلام سلام .
والثاني : أن القوم سلموا ، فقال حين أنكرهم هو : سلام ، فمن أنتم ؟ لإنكاره إياهم . وقرأ حمزة ، والكسائي : " قال سلم " وهو بمعنى سلام ، كما [ ص: 128 ] قالوا : حل وحلال ، وحرم وحرام ; فعلى هذا ، يكون معنى " سلم " : سلام عليكم . قال أبو علي : فيكون معنى القراءتين واحدا وإن اختلف اللفظان . وقال الزجاج : من قرأ " سلم " فالمعنى : أمرنا سلم ، أي : لا بأس علينا .
قوله تعالى : " فما لبث " أي : ما أقام حتى جاء بعجل حنيذ ، لأنه ظنهم أضيافا ، وكانت الملائكة قد جاءته في صورة الغلمان الوضاء .
وفي الحنيذ ستة أقوال :
أحدها : أنه النضيج ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .
والثاني : أنه الذي يقطر ماؤه ودسمه وقد شوي ، قاله شمر بن عطية .
والثالث : أنه ما حفرت الأرض ثم غممته ، وهو من فعل أهل البادية ، معروف ، وأصله : محنوذ ، فقيل : حنيذ ، كما قيل : طبيخ للمطبوخ ، وقتيل للمقتول ، هذا قول الفراء .
والرابع : أنه المشوي ، قاله أبو عبيدة .
والخامس : المشوي بالحجارة المحماة ، قاله مقاتل ، وابن قتيبة .
والسادس : السميط ، ذكره الزجاج ، وقال : يقال إنه المشوي فقط ، ويقال : المشوي الذي يقطر ، ويقال : المشوي بالحجارة .


