قوله تعالى : " ويصدون عن سبيل الله " ; أي : يمنعون الناس من الدخول في الإسلام . قال : ولفظ " يصدون " لفظ مستقبل عطف به على لفظ الماضي ; لأن معنى " الزجاج الذين كفروا " : الذين هم كافرون ، فكأنه قال : إن الكافرين والصادين ، فأما خبر " إن " فمحذوف ، فيكون المعنى : إن الذين هذه صفتهم هلكوا .
وفي " المسجد الحرام " قولان :
أحدهما : جميع الحرم . روى عن سعيد بن جبير أنه قال : كانوا يرون ابن عباس الحرم كله مسجدا .
والثاني : نفس المسجد ، حكاه . الماوردي
قوله تعالى : " الذي جعلناه للناس " هذا وقف التمام .
وفي معناه قولان :
أحدهما : جعلناه للناس كلهم ، لم نخص به بعضهم دون بعض ، هذا على أنه جميع الحرم .
والثاني : جعلناه قبلة لصلاتهم ومنسكا لحجتهم ، وهذا على أنه نفس المسجد . وقرأ ، إبراهيم النخعي ، وابن أبي عبلة وحفص عن : ( سواء ) بالنصب ، فيتوجه الوقف على ( سواء )، وقد وقف بعض القراء كذلك . قال عاصم : أبدل العاكف والبادي من الناس من حيث كانا كالشامل لهم ، فصار المعنى : الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء . فأما العاكف : فهو المقيم ، والبادي : الذي يأتيه من غير أهله ، وهذا من قولهم : بدا القوم : إذا خرجوا [ ص: 420 ] من الحضر إلى الصحراء . وقرأ أبو علي الفارسي ابن كثير : ( البادي ) بالياء ، غير أن وأبو عمرو وقف بياء ، ابن كثير بغير ياء . وقرأ وأبو عمرو ، عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي والمسيبي عن بغير ياء في الحالتين . نافع
ثم في معنى الكلام قولان :
أحدهما : أن العاكف والبادي يستويان في سكنى مكة والنزول بها ، فليس أحدهما أحق بالمنزل من الآخر ، غير أنه لا يخرج أحد من بيته ، هذا قول ، ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وإلى نحو هذا ذهب وقتادة أبو حنيفة ، ومذهب هؤلاء أن وأحمد مكة وبيعها حرام ، هذا على أن المسجد : كراء دور الحرم كله .
والثاني : أنهما يستويان في تفضيله وحرمته ، وإقامة المناسك به ، هذا قول الحسن . [ ومنهم ] من أجاز بيع دور ومجاهد مكة ، وإليه يذهب . وعلى هذا يجوز أن يراد بالمسجد : الشافعي الحرم ، ويجوز أن يراد نفس المسجد .
قوله تعالى : " ومن يرد فيه بإلحاد " الإلحاد في اللغة : العدول عن القصد ، والباء زائدة ، كقوله تعالى : تنبت بالدهن [ المؤمنون : 20 ] ، وأنشدوا :
بواد يمان ينبت الشث صدره وأسفله بالمرخ والشبهان
المعنى : وأسفله ينبت المرخ ، وقال آخر :
هن الحرائر لا ربات أخمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور
وقال آخر :
نحن بنو جعدة أرباب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
هذا قول جمهور اللغويين . قال : والباء قد تزاد في الكلام كهذه الآية ، وكقوله تعالى : ابن قتيبة اقرأ باسم ربك [ العلق : 1 ] ، وهزي إليك بجذع النخلة [ مريم : 24 ] ، بأييكم المفتون [ القلم : 6 ] ، تلقون إليهم بالمودة [ الممتحنة : 1 ] ، عينا يشرب بها [ الإنسان : 6 ] ; أي : يشربها ، وقد تزاد ( من ) كقوله تعالى : ما أريد منهم من رزق [ الذاريات : 57 ] ، وتزاد اللام كقوله تعالى : للذين هم لربهم يرهبون [ الأعراف : 154 ] ، والكاف كقوله تعالى : ليس كمثله شيء [ الشورى : 11 ] ، و( عن ) كقوله تعالى : يخالفون عن أمره [ النور : 63 ] ، و( إن ) كقوله تعالى : فإنه ملاقيكم [ الجمعة : 8 ] ، و( إن ) الخفيفة كقوله تعالى : فيما إن مكناكم فيه [ الأحقاف : 26 ] ، و( ما ) كقوله تعالى : عما قليل ليصبحن نادمين [ المؤمنون : 40 ] ، والواو كقوله تعالى : وتله للجبين وناديناه [ الصافات : 103 ، 104 ] .
وفي المراد بهذا الإلحاد خمسة أقوال :
أحدها : أنه الظلم ، رواه عن العوفي . وقال ابن عباس : هو عمل سيئة ، فعلى هذا تدخل فيه جميع المعاصي ، وقد روي عن مجاهد أنه قال : لا تحتكروا الطعام عمر بن الخطاب بمكة ، فإن احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم . [ ص: 422 ]
والثاني : أنه الشرك ، رواه ابن أبي طلحة عن ، وبه قال ابن عباس الحسن . وقتادة
والثالث : الشرك والقتل ، قاله . عطاء
والرابع : أنه استحلال محظورات الإحرام ، وهذا المعنى محكي عن أيضا . عطاء
والخامس : استحلال الحرام تعمدا ، قاله . ابن جريج
فإن قيل : بمكة ولم يفعله ؟ هل يؤاخذ الإنسان إن أراد الظلم
فالجواب من وجهين :
أحدهما : أنه إذا هم بذلك في الحرم خاصة ، عوقب ، هذا مذهب ، فإنه قال : لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه ما لم يعملها ، ولو أن رجلا هم بقتل مؤمن عند البيت وهو بـ " عدن أبين " ، أذاقه الله في الدنيا من عذاب أليم . وقال ابن مسعود : إن الرجل ليهم بالخطيئة الضحاك بمكة وهو بأرض أخرى ، فتكتب عليه ولم يعملها . وقال : تضاعف السيئات مجاهد بمكة كما تضاعف الحسنات . وسئل : هل تكتب السيئة أكثر من واحدة ؟ فقال : لا ، إلا الإمام أحمد بمكة ; لتعظيم البلد . على هذا يرى فضيلة المجاورة بها ، وقد جاور وأحمد ، وكان جابر بن عبد الله يقيم بها . ابن عمر
والثاني : أن معنى " ومن يرد " : من يعمل . قال : هذا قول سائر من حفظنا عنه . أبو سليمان الدمشقي