يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم . وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد [ ص: 156 ] سوء فإني غفور رحيم . وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين
قوله تعالى: إنه أنا الله الهاء عماد في قول أهل اللغة ; وعلى قول : هي كناية عن المنادي ، لأن السدي موسى قال : من هذا الذي يناديني؟ فقيل : إنه أنا الله
قوله تعالى: وألق عصاك في الآية محذوف ، تقديره : فألقاها فصارت حية ، فلما رآها تهتز كأنها جان قال : الجان : الحية التي ليست بالعظيمة ولا بالصغيرة . الفراء
قوله تعالى: ولم يعقب فيه قولان .
أحدهما : لم يلتفت ، قاله . والثاني : لم يرجع ، قاله قتادة ، ابن قتيبة قال والزجاج : وأهل النظر يرون أنه مأخوذ من العقب . ابن قتيبة
قوله تعالى: إني لا يخاف لدي المرسلون : أي : لا يخافون عندي . وقيل : المراد : في الموضع الذي يوحي إليهم فيه ، فكأنه نبهه على أن من أمنه الله بالنبوة من عذابه لا ينبغي أن يخاف من حية .
وفي قوله : إلا من ظلم ثلاثة أقوال .
أحدها : أنه استثناء صحيح ، قاله ، الحسن ، وقتادة ; والمعنى : إلا من ظلم منهم فإنه يخاف . قال ومقاتل : علم الله تعالى أن ابن قتيبة موسى مستشعر [ ص: 157 ] خيفة من ذنبه في الرجل الذي وكزه ، فقال : إلا من ظلم ثم بدل حسنا أي : توبة وندما ، فإنه يخاف ، وإني غفور رحيم .
والثاني : أنه استثناء منقطع ; والمعنى : لكن من ظلم فإنه يخاف ، قاله ، ابن السائب . وقال والزجاج : " من " مستثناة من الذين تركوا في الكلام ، كأنه قال : لا يخاف لدي المرسلون ، إنما الخوف على غيرهم ، إلا من ظلم ، فتكون " من " مستثناة . وقال الفراء : في الآية محذوف ، تقديره : إلا من ظلم ، فمن ظلم ثم بدل حسنا . ابن جرير
والثالث : أن " إلا " بمعنى الواو ، فهو كقوله : لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم [البقرة : 150] ، حكاه عن بعض النحويين ، ولم يرضه . الفراء
وقرأ ، أبي بن كعب ، وسعيد بن جبير ، والضحاك وعاصم الجحدري ، : " ألا من ظلم " بفتح الهمزة وتخفيف اللام . وابن يعمر
وللمفسرين في المراد بالظلم هاهنا قولان .
أحدهما : المعاصي . والثاني : الشرك . ومعنى " حسنا " :توبة وندما .
وقرأ ، ابن مسعود ، والضحاك ، وأبو رجاء ، والأعمش وابن السميفع ، عن وعبد الوارث : " حسنا " بفتح الحاء والسين . أبي عمرو بعد سوء أي : بعد إساءة . وقيل : الإشارة بهذا إلى أن موسى وإن كان [قد] ظلم نفسه بقتل القبطي ، فإن الله يغفر له ، لأنه ندم على ذلك وتاب .
[ ص: 158 ] قوله تعالى: وأدخل يدك في جيبك الجيب حيث جيب من القميص ، أي : قطع . قال : إنما أمر بإدخاله يده في جيبه ، لأنه كان عليه حينئذ مدرعة من صوف ليس لها كم . والسوء : البرص . ابن جرير
قوله تعالى: في تسع آيات قاله : " في " من صلة قوله : الزجاج وألق عصاك وأدخل يدك ، فالتأويل : أظهر هاتين الآيتين في تسع آيات . و " في " بمعنى " من " ، فتأويله : من تسع آيات ; تقول : خذ لي عشرا من الإبل فيها فحلان ، أي : منها فحلان . وقد شرحنا الآيات في (بني إسرائيل : 101) .
قوله تعالى: إلى فرعون وقومه أي : مرسلا إلى فرعون وقومه ، فحذف ذلك لأنه معروف . فلما جاءتهم آياتنا مبصرة أي : بينة واضحة ، وهو كقوله : وآتينا ثمود الناقة مبصرة [الإسراء : 59] وقد شرحناه .
قوله تعالى: قالوا هذا أي : هذا الذي نراه عيانا سحر مبين . وجحدوا بها أي : أنكروها واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله ، ظلما أي : شركا وعلوا أي : تكبرا . قال : المعنى : وجحدوا بها ظلما وعلوا ، أي : ترفعا عن أن يؤمنوا بما جاء به الزجاج موسى وهم يعلمون أنها من عند الله .