ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين . فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون . تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم [ ص: 337 ] ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون
قوله تعالى: ولكن حق القول مني أي: وجب وسبق; والقول هو قوله لإبليس لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين [ص: 85] .
قوله تعالى: لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين أي: من كفار الفريقين . فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا قال إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة: فذوقوا العذاب . وقال غيره: إذا اصطرخوا فيها قيل لهم: ذوقوا بما نسيتم، أي: بما تركتم العمل للقاء يومكم هذا، مقاتل: إنا نسيناكم أي: تركناكم من الرحمة .
قوله تعالى: إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها أي: وعظوا بها خروا سجدا أي: سقطوا على وجوههم ساجدين . وقيل: المعنى: إنما يؤمن بفرائضنا من الصلوات الخمس الذين إذا ذكروا بها بالأذان والإقامة خروا سجدا .
قوله تعالى: تتجافى جنوبهم اختلفوا فيمن نزلت وفي الصلاة التي تتجافى لها جنوبهم على أربعة أقوال .
أحدها: أنها نزلت في المتهجدين بالليل; روى معاذ بن جبل تتجافى جنوبهم قال: قيام العبد من الليل وفي [ ص: 338 ] لفظ آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " إن شئت أنبأتك بأبواب الخير " قال: قلت أجل يا رسول الله، قال: " الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله " ، ثم قرأ: " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " لمعاذ: . أنه قال
وكذلك قال الحسن، ومجاهد، وعطاء، وأبو العالية، وقتادة، أنها في [ ص: 339 ] قيام الليل . وقد روى وابن زيد عن العوفي قال: تتجافى جنوبهم لذكر الله، كلما استيقظوا ذكروا الله، إما في الصلاة، وإما في قيام، أو في قعود، أو على جنوبهم، فهم لا يزالون يذكرون الله عز وجل . ابن عباس
والثاني: أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء، قاله أنس بن مالك .
والثالث : أنها نزلت في صلاة العشاء [كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينامون حتى يصلوها، قاله ابن عباس .
والرابع : أنها صلاة العشاء] والصبح في جماعة، قاله أبو الدرداء، والضحاك .
ومعنى تتجافى : ترتفع . والمضاجع جمع مضجع، وهو الموضع الذي يضطجع عليه .
يدعون ربهم خوفا من عذابه وطمعا في رحمته [وثوابه] ومما رزقناهم ينفقون في الواجب والتطوع .
فلا تعلم نفس ما أخفي لهم وأسكن ياء " أخفي " حمزة، ويعقوب . قال في هذا دليل على أن المراد بالآية التي قبلها: الصلاة في جوف الليل، لأنه عمل يستسر الإنسان به، فجعل لفظ ما يجازى به " الزجاج: أخفي لهم " ، فإذا فتحت ياء " أخفي " ، فعلى تأويل الفعل الماضي، وإذا أسكنتها، فالمعنى: ما أخفي أنا لهم، إخبار عن الله تعالى; وكذلك قال أخفي لهم، بالخفية خفية، وبالعلانية علانية . وروى الحسن البصري: أبو هريرة فلا تعلم نفس ما أخفي لهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، اقرؤوا إن شئتم:
[ ص: 340 ] قوله تعالى: من قرة أعين وقرأ أبو الدرداء، وأبو هريرة، وأبو عبد الرحمن السلمي، والشعبي، " من قرات أعين " [بألف] على الجمع . وقتادة: