ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل . وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون . أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات [ ص: 343 ] أفلا يسمعون أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون . ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون . فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون
قوله تعالى: ولقد آتينا موسى الكتاب يعني التوراة فلا تكن في مرية من لقائه فيه أربعة أقوال .
أحدها: فلا تكن في مرية من لقاء موسى ربه، رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ابن عباس
والثاني: من لقاء موسى ليلة الإسراء، قاله أبو العالية، ومجاهد، وقتادة، وابن السائب .
والثالث : فلا تكن في شك من لقاء الأذى كما لقي موسى، قاله الحسن .
والرابع : لا تكن في مرية من تلقي موسى كتاب الله بالرضى والقبول، قاله قال السدي . وقد قيل: فلا تكن في شك من لقاء الزجاج: موسى الكتاب، فتكون الهاء للكتاب . وقال المعنى: من لقاء أبو علي الفارسي: موسى الكتاب، فأضيف المصدر إلى ضمير الكتاب، وفي ذلك مدح له على امتثاله ما أمر به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل .
[ ص: 344 ] وفي قوله: وجعلناه هدى قولان . أحدهما: الكتاب، قاله والثاني: الحسن . موسى، قاله قتادة .
وجعلنا منهم أي: من بني إسرائيل أئمة أي: قادة في الخير يهدون بأمرنا أي: يدعون الناس إلى طاعة الله لما صبروا [قرأ ابن كثير، وعاصم، ونافع، ، وأبو عمرو " لما صبروا " بفتح اللام وتشديد الميم . وقرأ وابن عامر: حمزة، " لما " بكسر اللام خفيفة . وقرأ والكسائي: : " بما " بباء مكان اللام; والمراد: صبرهم] على دينهم وأذى عدوهم ابن مسعود وكانوا بآياتنا يوقنون أنها من الله عز وجل; وفيهم قولان . أحدهما: أنهم الأنبياء . والثاني: أنهم قوم صالحون سوى الأنبياء . وفي هذا تنبيه لقريش أنكم إن أطعتم جعلت منكم أئمة .
قوله تعالى: إن ربك هو يفصل بينهم أي: يقضي ويحكم; وفي المشار إليهم قولان . أحدهما: أنهم الأنبياء وأممهم . والثاني: المؤمنون والمشركون .
ثم خوف كفار مكة بقوله: أولم يهد لهم وقرأ " نهد " بالنون . وقد سبق تفسيره في (طه: 128) . أبو عبد الرحمن السلمي:
أولم يروا أنا نسوق الماء يعني المطر والسيل إلى الأرض الجرز وهي التي لا تنبت- وقد ذكرناها في أول (الكهف: 8) - فإذا جاء الماء أنبت فيها ما يأكل الناس والأنعام .
ويقولون يعني كفار مكة متى هذا الفتح وفيه أربعة أقوال .
أحدها: أنه ما فتح يوم بدر; روى عن عكرمة في هذه الآية قال: يوم ابن عباس بدر فتح للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينفع الذين كفروا إيمانهم بعد الموت .
والثاني: أنه يوم القيامة، وهو يوم الحكم بالثواب والعقاب، قاله . مجاهد
[ ص: 345 ] والثالث : أنه اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب في الدنيا; قاله السدي .
والرابع : فتح مكة، قاله ابن السائب، والفراء، ; وقد اعترض على هذا القول، فقيل: كيف لا ينفع الكفار إيمانهم يوم الفتح، وقد أسلم جماعة وقبل إسلامهم يومئذ؟! فعنه جوابان . وابن قتيبة
أحدهما: لا ينفع من قتل من الكفار يومئذ إيمانهم بعد الموت; وقد ذكرناه عن وقد ذكر أهل السير ابن عباس . أن دخل يوم الفتح من غير الطريق التي دخل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه خالدا صفوان بن أمية في آخرين فقاتلوه، فصاح وسهيل بن عمرو خالد في أصحابه وقاتلهم، فقتل أربعة وعشرين من قريش، وأربعة من هذيل، وانهزموا، فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألم أنه عن القتال " ؟ فقيل: إن قوتل فقاتل . خالدا
والثاني: لا ينفع الكفار ما أعطوا من الأمان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ ص: 346 ] " فهو آمن أبي سفيان " . قال من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار يقال: آمنت فلانا إيمانا، فعلى هذا يكون المعنى: لا يدفع هذا الأمان عنهم عذاب الله . وهذا القول الذي قد دافعنا عنه ليس بالمختار، وإنما بينا وجهه لأنه قد قيل . الزجاج:
وقد خرج بما ذكرنا في الفتح قولان . أحدهما: أنه الحكم والقضاء، وهو الذي نختاره . والثاني: فتح البلد .
قوله تعالى: فأعرض عنهم وانتظر أي: انتظر عذابهم إنهم منتظرون بك حوادث الدهر . قال المفسرون: وهذه الآية منسوخة بآية السيف .