[ ص: 40 ] أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين . وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم . قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم . الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون . أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم . إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون . فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون .
قوله تعالى: أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية والتي بعدها على خمسة أقوال .
أحدها: أنه العاص بن وائل السهمي، أخذ عظما من البطحاء ففته بيده، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيحيي الله هذا بعد ما أرى؟ فقال: "نعم، يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم"، فنزلت هذه الآيات، رواه عن سعيد بن جبير ابن عباس .
والثاني: أنه عبد الله بن أبي بن سلول، جرى له نحو هذه القصة، رواه عن العوفي ابن عباس .
[ ص: 41 ] والثالث: أنه أبو جهل ابن هشام، وأن هذه القصة جرت له، رواه عن الضحاك ابن عباس .
والرابع: أنه أمية بن خلف، قاله الحسن .
والخامس: أنه أبي بن خلف الجمحي، وهذه القصة جرت له، قاله مجاهد، والجمهور، وعليه المفسرون . وقتادة،
ومعنى الكلام :التعجب من جهل هذا المخاصم في إنكاره البعث; والمعنى: ألا يعلم أنه مخلوق فيتفكر في بدء خلقه فيترك خصومته؟! وقيل: هذا تنبيه له على نعمة الله عليه حيث أنشأه من نطفة فصار مجادلا .
وضرب لنا مثلا في إنكار البعث بالعظم البالي حين فته بيده، وتعجب ممن يقول: إن الله يحييه ونسي خلقه أي: نسي خلقنا له، أي: [ ص: 42 ] ترك النظر في خلق نفسه إذ خلق من نطفة قال من يحيي العظام وهي رميم؟! أي: بالية، يقال: رم العظم، إذا بلي، فهو رميم، لأنه معدول عن فاعله، وكل معدول عن وجهه ووزنه فهو مصروف عن إعرابه، كقوله: وما كانت أمك بغيا [مريم: 28]، فأسقط الهاء لأنها مصروفة عن "باغية"; فقاس هذا الكافر قدرة الله تعالى بقدرة الخلق، فأنكر إحياء العظم البالي لأن ذلك ليس في مقدور الخلق . قل يحييها الذي أنشأها أي: ابتدأ خلقها أول مرة وهو بكل خلق من الابتداء والإعادة عليم .
الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا قال : أراد الزنود التي توري بها الأعراب من شجر المرخ والعفار . ابن قتيبة
فإن قيل: لم قال: "الشجر الأخضر"، ولم يقل: الشجر الخضر؟
فالجواب: أن الشجر جمع، وهو يؤنث ويذكر، قال الله تعالى: فمالئون منها البطون [الواقعة: 53]، وقال: فإذا أنتم منه توقدون .
ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان، فقال: أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر وقرأ أبو بكر الصديق، وعاصم الجحدري: "يقدر" بياء من غير ألف على أن يخلق مثلهم؟! وهذا استفهام تقرير; والمعنى: من قدر على ذلك العظيم، قدر على هذا اليسير . وقد فسرنا [ ص: 43 ] معنى "أن يخلق مثلهم" في [بني إسرائيل: 99]; ثم أجاب هذا الاستفهام فقال: بلى وهو الخلاق يخلق خلقا بعد خلق . وقرأ ، أبي بن كعب والحسن، وعاصم الجحدري: "وهو الخالق" العليم بجميع المعلومات . والملكوت والملك واحد . وباقي السورة قد تقدم شرحه [البقرة: 117 ،32، الأنعام: 75] .