وما منا إلا له مقام معلوم .   وإنا لنحن الصافون .   وإنا لنحن المسبحون .   وإن كانوا ليقولون .   لو أن عندنا ذكرا من الأولين .   لكنا عباد الله المخلصين .   فكفروا به فسوف يعلمون .   ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين .   إنهم لهم المنصورون .   وإن جندنا لهم الغالبون .   فتول عنهم حتى حين .   وأبصرهم فسوف يبصرون .   أفبعذابنا يستعجلون .   فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين .   وتول عنهم حتى حين .   وأبصر فسوف يبصرون .   سبحان ربك رب العزة عما يصفون .   وسلام على المرسلين .   والحمد لله رب العالمين    . 
ثم أخبر عن الملائكة بقوله: وما منا  والمعنى: ما منا ملك إلا له  [ ص: 93 ] مقام معلوم  أي: مكان في السموات مخصوص يعبد الله فيه، وإنا لنحن الصافون  قال  قتادة:  صفوف في السماء . وقال  السدي:  هو الصلاة . وقال  ابن السائب:  صفوفهم في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض . 
قوله تعالى: وإنا لنحن المسبحون  فيه قولان . أحدهما: المصلون . والثاني: المنزهون لله عز وجل عن السوء . وكان  عمر بن الخطاب  إذا أقيمت الصلاة أقبل على الناس بوجهه وقال: يا أيها الناس استووا، فإنما يريد الله بكم هدي الملائكة، وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون . 
ثم عاد إلى الإخبار عن المشركين، فقال: وإن كانوا ليقولون  اللام في "ليقولون" لام توكيد; والمعنى: وقد كان كفار قريش  يقولون قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن عندنا ذكرا  أي: كتابا من الأولين  أي: مثل كتب الأولين، وهم اليهود والنصارى، لكنا عباد الله المخلصين  أي: لأخلصنا العبادة لله عز وجل . 
فكفروا به  فيه اختصار، تقديره: فلما آتاهم ما طلبوا، كفروا به، فسوف يعلمون  عاقبة كفرهم، وهذا تهديد لهم . 
ولقد سبقت كلمتنا  أي: تقدم وعدنا للمرسلين بنصرهم والكلمة قوله: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي   [المجادلة: 21]، إنهم لهم المنصورون  بالحجة، وإن جندنا  يعني حزبنا المؤمنين لهم الغالبون  بالحجة أيضا والظفر . فتول عنهم  أي: أعرض عن كفار مكة  حتى حين  أي: حتى تنقضي مدة إمهالهم . وقال مجاهد: حتى نأمرك بالقتال;  [ ص: 94 ] فعلى هذا، الآية محكمة . وقال في رواية: حتى الموت; وكذلك قال  قتادة .  وقال ابن زيد:  حتى القيامة; فعلى هذا، يتطرق نسخها . وقال  مقاتل بن حيان:  نسختها آية القتال . 
قوله تعالى: وأبصرهم  أي: انظر إليهم إذا نزل العذاب . قال  مقاتل بن سليمان:  هو العذاب ببدر;  وقيل: أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون  ما أنكروا، وكانوا يستعجلون بالعذاب تكذيبا به، فقيل: أفبعذابنا يستعجلون؟!   . 
فإذا نزل  يعني العذاب . وقرأ  ابن مسعود،  وأبو عمران،  والجحدري  ،  وابن يعمر:   "فإذا نزل" برفع النون وكسر الزاي وتشديدها بساحتهم  أي: بفنائهم وناحيتهم . والساحة: فناء الدار . قال  الفراء:  العرب  تكتفي بالساحة والعقوة من القوم، فيقولون: نزل بك العذاب وبساحتك . قال  الزجاج   : فكان عذاب هؤلاء القتل فساء صباح المنذرين  أي: بئس صباح الذين أنذروا العذاب . 
ثم كرر ما تقدم توكيدا لوعده بالعذاب، فقال: وتول عنهم . . . .  الآيتين . 
ثم نزه نفسه عن قولهم بقوله: سبحان ربك رب العزة  قال  مقاتل:  يعني عزة من يتعزز من ملوك الدنيا . 
قوله تعالى: عما يصفون  أي: من اتخاذ النساء والأولاد . 
 [ ص: 95 ] وسلام على المرسلين  فيه وجهان . أحدهما: تسليمه عليهم إكراما لهم . والثاني: إخباره بسلامتهم . 
والحمد لله رب العالمين  على هلاك المشركين ونصرة الأنبياء والمرسلين . 
				
						
						
