قوله تعالى: وعجبوا يعني الكفار أن جاءهم منذر منهم يعني رسولا من أنفسهم ينذرهم النار .
أجعل الآلهة إلها واحدا لأنه دعاهم إلى الله وحده وأبطل عبادة آلهتهم; وهذا قولهم لما اجتمعوا عند أبي طالب، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتعطوني كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، وهي "لا إله إلا الله"، فقاموا يقولون: "أجعل الآلهة إلها واحدا"، ونزلت هذه الآية فيهم . إن هذا [الذي] يقول محمد من أن الآلهة إلها واحدا لشيء عجاب أي: لأمر عجب . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن السميفع: [ ص: 103 ] "عجاب" بتشديد الجيم . قال اللغويون: العجاب والعجاب والعجيب بمعنى واحد، كما تقول: كبير وكبار وكبار، وكريم وكرام وكرام، وطويل وطوال وطوال; وأنشد الفراء:
جاؤوا بصيد عجب من العجب أزيرق العينين طوال الذنب
قال عجب المشركون أن دعي الله وحده، وقالوا: أيسمع لحاجتنا جميعا إله واحد؟! قتادة:
و قوله تعالى: وانطلق الملأ منهم قال المفسرون: لما اجتمع أشراف قريش عند أبي طالب وشكوا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سبق بيانه، نفروا من قول: "لا إله إلا الله"، وخرجوا من عند أبي طالب، فذلك قوله: "وانطلق الملأ منهم" . الانطلاق: الذهاب بسهولة، ومنه طلاقة الوجه . والملأ: أشراف قريش . فخرجوا يقول بعضهم لبعض: امشوا . و " أن " بمعنى "أي"; فالمعنى: أي: امشوا . قال : ويجوز أن يكون المعنى: انطلقوا بأن امشوا، أي: انطلقوا بهذا القول . وقال بعضهم: المعنى: انطلقوا يقولون: امشوا إلى الزجاج أبي طالب فاشكوا إليه ابن أخيه، واصبروا على آلهتكم أي: اثبتوا على عبادتها إن هذا الذي نراه من زيادة أصحاب محمد لشيء يراد أي: لأمر يراد بنا .
ما سمعنا بهذا الذي جاء به محمد من التوحيد في الملة الآخرة وفيها ثلاثة أقوال .
أحدها: النصرانية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وإبراهيم بن المهاجر عن وبه قال مجاهد، محمد بن كعب القرظي، ومقاتل .
[ ص: 104 ] والثاني: أنها ملة قريش، رواه عن ابن أبي نجيح وبه قال مجاهد، قتادة .
والثالث: اليهودية والنصرانية، قاله الفراء، والزجاج; والمعنى أن اليهود أشركت بعزير، والنصارى قالت: ثالث ثلاثة، فلهذا أنكرت التوحيد .
إن هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا اختلاق أي: كذب . أأنزل عليه الذكر يعنون القرآن . "عليه" يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بيننا أي: كيف خص بهذا دوننا وليس بأعلانا نسبا ولا أعظمنا شرفا؟! قال الله تعالى: بل هم في شك من ذكري أي: من القرآن; والمعنى أنهم ليسوا على يقين مما يقولون، إنما هم شاكون بل لما قال مقاتل: "لما" بمعنى "لم" كقوله: ولما يدخل الإيمان في قلوبكم [الحجرات: 14] . وقال غيره: هذا تهديد لهم; والمعنى أنه لو نزل بهم العذاب، علموا أن ما قاله محمد حق . وأثبت ياء " عذابي " في الحالين يعقوب .
قال : ولما دل قولهم: الزجاج "أأنزل عليه الذكر" على حسدهم له، أعلم الله عز وجل أن الملك والرسالة إليه، فقال: أم عندهم خزائن رحمة ربك ؟! قال المفسرون: ومعنى الآية: أبأيديهم مفاتيح النبوة فيضعونها حيث شاؤوا؟! والمعنى: ليست بأيديهم، ولا ملك السموات والأرض لهم، فإن ادعوا شيئا من ذلك فليرتقوا في الأسباب قال أي في أبواب السماء . وقال سعيد بن جبير: : فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء . الزجاج
قوله تعالى: جند أي: هم جند . والجند: الأتباع; فكأنه قال: هم أتباع مقلدون ليس فيهم عالم راشد . و ما زائدة، و هنالك إشارة إلى بدر . والأحزاب: جميع من تقدمهم من الكفار الذين تحزبوا على [ ص: 105 ] الأنبياء . قال أخبر الله نبيه وهو قتادة: بمكة أنه سيهزم جند المشركين، فجاء تأويلها يوم بدر .