وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب . اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب . إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق . والطير محشورة كل له أواب . وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب .
قوله تعالى وقالوا ربنا عجل لنا قطنا في سبب قولهم هذا قولان .
أحدهما: أنه لما ذكر لهم ما في الجنة، قالوا هذا، قاله سعيد بن جبير، والسدي .
والثاني: أنه لما نزل قوله: فأما من أوتي كتابه بيمينه . . . الآيات [الحاقة: 19 37]، قالت قريش: زعمت يا محمد أنا نؤتى كتبنا بشمائلنا؟! فعجل لنا قطنا، يقولون ذلك تكذيبا له، قاله أبو العالية، ومقاتل .
وفي المراد بالقط أربعة أقوال .
أحدها: أنه الصحيفة، قاله عن أبو صالح قال ابن عباس . القط [ ص: 109 ] في كلام الفراء: العرب: الصك وقال القط: الكتاب، والقطوط: الكتب بالجوائز، وإلى هذا المعنى ذهب أبو عبيدة: الحسن، ومقاتل، . وابن قتيبة
والثاني: أن القط: الحساب، رواه عن الضحاك ابن عباس .
والثالث: أنه القضاء، قاله والمعنى أنهم لما وعدوا بالقضاء بينهم، سألوا ذلك . عطاء الخراساني،
والرابع: أنه النصيب، قاله [قال سعيد بن جبير . ، : القط: النصيب، وأصله: الصحيفة يكتب للإنسان فيها شيء يصل إليه، واشتقاقه من قططت، أي: قطعت، فالنصيب: هو القطعة من الشيء . ثم في هذا القول للمفسرين قولان . أحدهما: أنهم سألوه نصيبهم من الجنة، قاله الزجاج سعيد بن جبير] .
والثاني: سألوه نصيبهم من العذاب، قاله وعلى جميع الأقوال، إنما سألوا ذلك استهزاء لتكذيبهم بالقيامة . قتادة .
اصبر على ما يقولون أي: من تكذيبهم وأذاهم; وفي هذا قولان .
[ ص: 110 ] أحدهما: أنه أمر بالصبر، سلوكا لطريق أولي العزم، وهذا محكم .
والثاني: أنه منسوخ بآية السيف فيما زعم الكلبي .
قوله تعالى: واذكر عبدنا داود في وجه المناسبة بين قوله: "اصبر" وبين قوله: "واذكر عبدنا داود" قولان .
أحدهما: أنه أمر أن يتقوى على الصبر بذكر قوة داود على العبادة والطاعة
والثاني: أن المعنى: عرفهم أن الأنبياء عليهم السلام -مع طاعتهم- كانوا خائفين مني، هذا داود مع قوته على العبادة، لم يزل باكيا مستغفرا، فكيف حالهم مع أفعالهم؟!
فأما قوله: ذا الأيد فقال هي القوة في العبادة . وفي "الصحيحين" من حديث ابن عباس: قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن عمرو داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" . "أحب الصيام إلى الله صيام
وفي الأواب أقوال قد ذكرناها في [بني إسرائيل: 25] .
إنا سخرنا الجبال معه يسبحن قد ذكرنا تسبيح الجبال معه في [الأنبياء: 79]، وذكرنا معنى العشي في مواضع مما تقدم [آل عمران: 41، الأنعام: 53]، وذكرنا معنى الإشراق في [الحجر: 73] عند قوله: مشرقين . قال : الإشراق: طلوع الشمس [وإضاءتها] . وروي عن الزجاج [ ص: 111 ] أنه قال: طلبت صلاة الضحى، فلم أجدها إلا في هذه الآية . وقد ذكرنا عنه أن صلاة الضحى مذكورة في [النور: 36] في قوله: ابن عباس بالغدو والآصال .
قوله تعالى: والطير محشورة وقرأ عكرمة، وأبو الجوزاء ، والضحاك "والطير محشورة" بالرفع فيهما، أي: مجموعة إليه، تسبح الله معه وابن أبي عبلة: كل له في هاء الكناية قولان .
أحدهما: أنها ترجع إلى داود، أي: كل لداود أواب أي: رجاع إلى طاعته وأمره، والمعنى: كل له مطيع بالتسبيح معه، هذا قول الجمهور .
والثاني: [أنها] ترجع إلى الله تعالى، فالمعنى: كل مسبح لله، قاله السدي .
قوله تعالى: وشددنا ملكه أي: قويناه . وفي ما شد به ملكه قولان .
أحدهما: أنه الحرس والجنود; قال كان يحرسه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل . ابن عباس:
والثاني: أنه هيبة ألقيت له في قلوب الناس; وهذا المعنى مروي عن أيضا . ابن عباس
قوله تعالى: وآتيناه الحكمة وفيها أربعة أقوال أحدها: أنها الفهم، قاله ابن عباس، والحسن، والثاني: الصواب، قاله وابن زيد . والثالث: السنة، قاله مجاهد . والرابع: النبوة، قاله قتادة . السدي .
وفي فصل الخطاب أربعة أقوال .
أحدها: علم القضاء والعدل، قاله ابن عباس، والحسن .
[ ص: 112 ] والثاني: بيان الكلام، روي عن أيضا . وذكر ابن عباس أنه البيان الكافي في كل غرض مقصود . الماوردي
والثالث: قول: "أما بعد"، وهو أول من تكلم بها، قاله أبو موسى الأشعري، والشعبي .
والرابع: تكليف المدعي البينة، والمدعى عليه اليمين، قاله شريح، وهو قول حسن، لأن الخصومة إنما تفصل بهذا . وقتادة;