ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم [ ص: 178 ] إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون .
قوله تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم .
قال ذكر لنا قتادة: أن رجلا سأل عن "البر" فأنزلت هذه الآية ، فدعاه رسول الله ، فتلاها عليه . وفيمن خوطب بها قولان . أحدهما: أنهم المسلمون . والثاني: أهل الكتابين . فعلى القول الأول; معناها: ليس البر كله في الصلاة ، ولكن البر ما في هذه الآية . وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، ، والضحاك وعلى القول الثاني; معناها: ليس البر صلاة اليهود إلى المغرب ، وصلاة النصارى إلى المشرق ، ولكن البر ما في هذه الآية ، وهذا قول وسفيان . قتادة ، والربيع ، وعوف الأعرابي ، ومقاتل .
وقرأ حمزة ، وحفص عن (ليس البر) بنصب الراء . وقرأ الباقون برفعها ، قال عاصم: أبو علي: كلاهما حسن ، لأن كل واحد من الاسمين; اسم "ليس" وخبرها ، معرفة ، فإذا اجتمعا في التعريف تكافآ في كون أحدهما اسما ، والآخر خبرا ، كما تتكافأ النكرتان .
وفي المراد بالبر ثلاثة أقوال . أحدها: الإيمان . والثاني: التقوى . والثالث: العمل الذي يقرب إلى الله .
قوله تعالى: ولكن البر من آمن بالله فيه قولان . أحدهما: أن معناه: ولكن البر بر من آمن بالله . والثاني: ولكن ذا البر من آمن بالله ، حكاهما وقرأ الزجاج . نافع ، (ولكن البر) بتخفيف نون (لكن) ورفع (البر) وإنما ذكر اليوم الآخر ، لأن عبدة الأوثان لا يؤمنون بالبعث . وفي المراد بالكتاب هاهنا قولان . أحدهما: أنه القرآن . والثاني: أنه بمعنى الكتب ، فيدخل في هذا اليهود ، لتكذيبهم بعض النبيين وردهم القرآن . وابن عامر:
قوله تعالى: وآتى المال على حبه في هاء "حبه" قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى المال . والثاني: إلى الإيتاء . وكان إذا قرأها قال: سوى الزكاة المفروضة . الحسن
[ ص: 179 ] قوله تعالى: (ذوي القربى) يريد: قرابة المعطي . وقد شرحنا معنى: (اليتامى والمساكين) عند رأس ثلاث وثمانين آية من هذه السورة . فأما ففيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الضيف ، قاله (ابن السبيل) ، سعيد بن جبير والضحاك ، ومقاتل ، والفراء ، وابن قتيبة ، والثاني: أنه الذي يمر بك مسافرا ، قاله والزجاج . وعن الربيع بن أنس ، مجاهد ، كالقولين . وقد روي عن الإمام وقتادة أنه قال: هو المنقطع به يريد بلدا آخر . وهذا اختيار أحمد ابن جرير الطبري ، وأبي سليمان الدمشقي ، والقاضي أبو يعلى ، ويحققه: أن السبيل الطريق ، وابنه: صاحبه الضارب فيه ، فله حق على من يمر به إذا كان محتاجا . ولعل أصحاب القول الأول أشاروا إلى هذا لأنه إن كان مسافرا ، فإنه ضيف لم ينزل . والقول الثالث: أنه الذي يريد سفرا ، ولا يجد نفقة ، ذكره وغيره عن الماوردي الشافعي .
قوله تعالى: (وفي الرقاب) أي: في فك الرقاب . ثم فيه قولان . أحدهما: أنهم المكاتبون يعانون في كتابتهم بما يعتقون به ، رواه عن أبو صالح وهو مروي عن ابن عباس ، علي بن أبي طالب ، والحسن ، وابن زيد ، والثاني: أنهم عبيد يشترون بهذا السهم ويعتقون ، رواه والشافعي . عن مجاهد وبه قال ابن عباس ، مالك بن أنس ، وأبو عبيد ، وعن وأبو ثور . كالقولين . أحمد
فأما البأساء; فهي: الفقر . والضراء: المرض . وحين البأس: القتال ، قاله الضحاك . (أولئك الذين صدقوا) قال تكلموا بالإيمان وحققوه بالعمل . أبو العالية: