قوله تعالى: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل أخبر الله بهذا عن تعظيم شأن القرآن، وأنه لو جعل في جبل - على قساوته وصلابته تمييزا، كما جعل في بني آدم، ثم أنزل عليه القرآن لتشقق من خشية الله، وخوفا أن لا يؤدي حق الله في تعظيم القرآن . و"الخاشع": المتطأطئ الخاضع، و"المتصدع": المتشقق . وهذا توبيخ لمن لا يحترم القرآن، ولا يؤثر في قلبه مع الفهم والعقل، ويدلك على هذا المثل قوله تعالى: وتلك الأمثال نضربها للناس ثم أخبر بعظمته وربوبيته، فقال تعالى: هو الله الذي لا إله إلا هو قال قوله [ ص: 225 ] تعالى: الزجاج: هو الله رد على قوله تعالى: في أول السورة: سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم
فأما هذه الأسماء، فقد سبق ذكر "الله"، و"الرحمن"، و"الرحيم" في [الفاتحة] وذكرنا معنى عالم الغيب والشهادة في [الأنعام: 73] . و الملك في سورة [المؤمنين: 116] .
فأما "القدوس" فقرأ أبو الأشهب، وأبو نهيك، ومعاذ القارئ بفتح القاف . قال "القدوس": الطاهر من العيوب، المنزه عن الأنداد والأولاد . و"القدس": الطهارة . ومنه سمي: أبو سليمان الخطابي: بيت المقدس، ومعناه: المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب . وقيل للجنة: حظيرة القدس، لطهارتها من آفات الدنيا . والقدس: السطل الذي يتطهر فيه، ولم يأت من الأسماء على فعول بضم الفاء إلا "قدوس" و"سبوح" وقد يقال أيضا: قدوس، وسبوح بالفتح فيهما، وهو القياس في الأسماء، كقولهم: سفود، وكلوب .
فأما "السلام" فقال سمى نفسه سلاما، لسلامته مما يلحق الخلق من العيب والنقص والفناء . وقال ابن قتيبة: معناه: ذو السلام . والسلام في صفة الله سبحانه: هو الذي سلم من كل عيب، وبرئ من كل آفة ونقص يلحق المخلوقين . قال وقد قيل هو الذي سلم الخلق من ظلمه . الخطابي:
فأما "المؤمن"، ففيه ستة أقوال .
أحدها: أنه الذي أمن الناس ظلمه، وأمن من آمن به عذابه، قاله ابن عباس، ومقاتل .
والثاني: أنه المجير، قاله القرظي .
[ ص: 226 ] والثالث: الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه، قاله ابن زيد .
والرابع: أنه الذي وحد نفسه، لقوله تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو [آل عمران: 18] ذكره الزجاج .
والخامس: أنه الذي يصدق عباده وعده، قاله ابن قتيبة .
والسادس: أنه يصدق ظنون عباده المؤمنين، ولا يخيب آمالهم، حكاه كقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما يحكيه عن ربه عز وجل: "أنا عند ظن عبدي بي" الخطابي .
فأما "المهيمن" ففيه أربعة أقوال .
أحدها: أنه الشهيد، قاله ومجاهد، ابن عباس، وقتادة، قال والكسائي . ومنه قوله تعالى: الخطابي: ومهيمنا عليه [المائدة: 48]، فالله الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل .
والثاني: أنه الأمين، قاله قال الضحاك، وأصله: مؤيمن، فقلبت الهمزة هاء، لأن الهاء أخف عليهم من الهمزة . ولم يأت مفيعل في غير التصغير، إلا في ثلاثة أحرف "مسيطر" و"مبيطر" و"مهيمن" وقد ذكرنا في سورة [الطور: 37] عن الخطابي: أنها خمسة أحرف . أبي عبيدة،
والثالث: المصدق فيما أخبر، قاله ابن زيد .
والرابع: أنه الرقيب على الشيء، والحافظ له، قاله قال الخليل . وقال بعض أهل اللغة: الهيمنة: القيام على الشيء; والرعاية له، وأنشد: الخطابي
ألا إن خير الناس بعد نبيه مهيمنه التاليه في العرف والنكر
[ ص: 227 ] يريد القائم على الناس بعده بالرعاية لهم . وقد زدنا هذا شرحا في [المائدة: 48] وبينا معنى "العزيز" في [البقرة: 129] .
فأما "الجبار" ففيه أربعة أقوال .
أحدها: أنه العظيم، قاله ابن عباس .
والثاني: أنه الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما يريد، قاله القرظي وقال والسدي . جبر خلقه على ما شاء . وحكى قتادة: أنه الذي جبر الخلق على ما أراد من أمره ونهيه . يقال: جبره السلطان، وأجبره . الخطابي:
والثالث: أنه الذي جبر مفاقر الخلق، وكفاهم أسباب المعاش والرزق .
والرابع: أنه العالي فوق خلقه، من قولهم: تجبر النبات: إذا طال وعلا، ذكر القولين الخطابي .
فأما "المتكبر" ففيه خمسة أقوال .
أحدها: أنه الذي تكبر عن كل سوء، قاله قتادة .
والثاني: أنه الذي تكبر عن ظلم عباده، قاله الزجاج .
[ ص: 228 ] والثالث: أنه ذو الكبرياء، وهو الملك، قاله ابن الأنباري .
والرابع: أنه المتعالي عن صفات الخلق .
والخامس: أنه الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة، فقصمهم، ذكرهما قال: والتاء في "المتكبر" تاء التفرد، والتخصص، لأن التعاطي والتكلف والكبر لا يليق بأحد من المخلوقين، وإنما سمة العبد الخضوع والتذلل . وقيل: إن المتكبر من الكبرياء الذي هو عظمة الله، لا من الكبر الذي هو مذموم في الخلق . الخطابي .
وأما "الخالق" فقال هو المبتدئ للخلق المخترع لهم على غير مثال سبق، فأما في نعوت الآدميين، فمعنى الخلق: كقول الخطابي: زهير:
ولأنت تفري ما خلقت وبع ض القوم يخلق ثم لا يفري
يقول: إذا قدرت شيئا قطعته، وغيرك يقدر ما لا يقطعه، أي: يتمنى ما لا يبلغه . و"البارئ" الخالق . يقال: برأ الله الخلق يبرؤهم . و"المصور": [ ص: 229 ] الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة ليتعارفوا بها . ومعنى: التصوير: التخطيط والتشكيل . وقرأ الحسن، وأبو الجوزاء، وأبو عمران، وابن السميفع "البارئ المصور" بفتح الواو والراء جميعا، يعني: آدم عليه السلام . وما بعد هذا قد تقدم بيانه [الأعراف: 180،والإسراء: 110] إلى آخر السورة .