قوله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث .
سبب نزول هذه الآية أن الصحابة كانوا إذا نام الرجل قبل الأكل والجماع ، حرما عليه [ ص: 191 ] إلى أن يفطر ، فجاء شيخ من الأنصار وهو صائم إلى أهله ، فقال عشوني ، فقالوا: حتى نسخن لك طعاما ، فوضع رأسه فنام ، فجاءوا بالطعام ، فقال ، قد كنت نمت ، فبات يتقلب ظهرا لبطن ، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم; فأخبره ، فقام فقال: يا رسول الله! إني أردت أهلي الليلة ، فقالت ، إنها قد نامت ، فظننتها تعتل ، فواقعتها ، فأخبرتني أنها قد نامت ، فأنزل الله تعالى في عمر بن الخطاب عمر بن الخطاب: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم وأنزل الله في الأنصاري: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر هذا قول جماعة من المفسرين . واختلفوا في اسم هذا الأنصاري على أربعة أقوال . أحدها: قيس بن صرمة ، قاله والثاني: البراء . صرمة بن أنس ، قاله وقال القاسم بن محمد . عبد الرحمن بن أبي ليلى: صرمة بن مالك . والثالث: ضمرة بن أنس . والرابع: أبو قيس بن عمر . وذكر القولين أبو بكر الخطيب . فأما "الرفث" فقال ابن عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، والحسن ، في آخرين: هو الجماع . وابن جبير
قوله تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن . فيه قولان . أحدهما: أن اللباس السكن . ومثله: جعل لكم الليل لباسا [ الفرقان: 47 ] . أي: سكنا . وهذا قول ابن عباس ، وابن جبير ، ومجاهد ، والثاني: أنهن بمنزلة اللباس ، لإفضاء كل واحد ببشرته إلى بشرة صاحبه ، فكنى عن اجتماعهما متجردين باللباس . قال وقتادة . الزجاج: والعرب تسمي المرأة: لباسا وإزارا ، قال النابغة الجعدي:
إذا ما الضجيع ثنى جيدها تثنت فكانت عليه لباسا
[ ص: 192 ] وقال غيره:
ألا أبلغ أبا حفص رسولا فدى لك من أخي ثقة إزاري
يريد بالإزار: امرأته .
قوله تعالى: علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم قال يريد: تخونونها بارتكاب ما تحرم عليكم . قال ابن قتيبة: وعنى بذلك فعل ابن عباس: فإنه أتى أهله ، فلما اغتسل أخذ يلوم نفسه ويبكي عمر ، (فالآن باشروهن): أصل المباشرة: إلصاق البشرة بالبشرة . وقال المراد بالمباشرة هاهنا: الجماع . ابن عباس: وابتغوا ما كتب الله لكم فيه أربعة أقوال . أحدها: أنه الولد ، قاله ابن عباس ، والحسن ، في آخرين . قال بعض أهل العلم: لما كانت المباشرة قد تقع على ما دون الجماع ، أباحهم الجماع الذي يكون من مثله الولد ، فقال: ومجاهد وابتغوا ما كتب الله لكم يريد: الولد . والثاني: أن الذي كتب لهم الرخصة ، وهو قول قتادة ، والثالث: أنه ليلة القدر . رواه وابن زيد . عن أبو الجوزاء والرابع: أنه القرآن ، فمعنى الكلام: اتبعوا القرآن ، فما أبيح لكم وأمرتم به فهو المبتغى ، وهذا اختيار ابن عباس . الزجاج .
قوله تعالى: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض قال لما نزلت هذه الآية ، عمدت إلى عقالين ، أبيض وأسود ، فجعلتهما تحت وسادتي ، فجعلت أقوم في الليل ولا أستبين الأسود من الأبيض ، فلما أصبحت; غدوت على رسول الله فأخبرته ، فضحك وقال: "إن كان وسادك إذا لعريض ، إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل" عدي بن حاتم: وقال نزلت هذه الآية: سهل بن سعد: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل: (من الفجر) فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود [ ص: 193 ] والخيط الأبيض ، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له زيهما ، فأنزل الله بعد ذلك (من الفجر) فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار .
فصل
إذا أم لا؟ فظاهر كلام شك في الفجر ، فهل يدع السحور يدل على أنه لا يدع السحور ، بل يأكل حتى يستيقن طلوع الفجر . وقال أحمد أكره له أن يأكل إذا شك في طلوع الفجر ، فإن أكل فعليه القضاء . وقال مالك: لا شيء عليه . الشافعي:
قوله تعالى: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد في هذه المباشرة قولان . أحدهما: أنها المجامعة ، وهو قول الأكثرين . والثاني: أنها ما دون الجماع من اللمس والقبلة ، قاله ابن زيد . وقال كان الرجل المعتكف إذا خرج من المسجد ، فلقي امرأته باشرها إذا أراد ذلك ، فوعظهم الله في ذلك . قتادة:
فصل
في اللغة: اللبث ، يقال: فلان معتكف على كذا ، وعاكف . وهو فعل مندوب إليه ، إلا أن ينذره الإنسان ، فيجب . ولا يجوز إلا في مسجد تقام فيه الجماعات ، ولا يشترط في حق المرأة مسجد تقام فيه الجماعة ، إذ الجماعة لا تجب عليها . وهل يصح بغير صوم؟ فيه عن الاعتكاف روايتان . أحمد
قوله تعالى: (تلك حدود الله) قال يعني: المباشرة ابن عباس: (فلا تقربوها) قال الحدود ما منع الله من مخالفتها ، فلا يجوز مجاوزتها . وأصل الحد في اللغة: المنع ، ومنه: حد الدار ، وهو ما يمنع غيرها من الدخول فيها . الزجاج: الحاجب والبواب ، وكل من منع شيئا فهو حداد . قال والحداد في اللغة: الأعشى:
فقمنا ولما يصح ديكنا إلى جونة عند حدادها
قوله تعالى: كذلك يبين الله أي: مثل هذا البيان الذي ذكر .