قوله تعالى: ( إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا ) قرأ ابن كثير، وابن عامر، "سلاسل" بغير تنوين، ووقفوا بألف . ووقف وحمزة، بألف . قال أبو عمرو "سلاسل" و"قوارير" أصله أن لا ينصرف، ومن صرفه من القراء، فإنها لغة لبعض مكي بن أبي طالب النحوي: العرب . وقيل: إنما صرفه لأنه وقع في المصحف بالألف، فصرفه لاتباع خط المصحف . قال السلاسل في أعناقهم، والأغلال في أيديهم . وقد شرحنا معنى "السعير" في [النساء: 10] . مقاتل:
قوله تعالى إن الأبرار واحدهم بر، وبار، وهم الصادقون . وقيل: المطيعون . وقال هم الذين لا يؤذون الذر الحسن: "يشربون من كأس" أي: من إناء فيه شراب "كان مزاجها" يعني: مزاج الكأس "كافورا" وفيه ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه الكافور المعروف، قاله مجاهد، فعلى هذا في المراد "بالكافور" ثلاثة أقوال . أحدها: برده، قاله ومقاتل، والثاني: ريحه، قاله الحسن . والثالث: طعمه، قاله قتادة . السدي .
والثاني أنه اسم عين في الجنة، قاله عطاء، وابن السائب .
والثالث أن المعنى: مزاجها كالكافور لطيب ريحه، أجازه الفراء، والزجاج .
قوله تعالى: عينا قال هي المفسرة للكافور، وقال الفراء: هي منصوبة على معنى: أعني عينا . وقال الأخفش: الأجود أن يكون المعنى: من عين، "يشرب بها" فيه ثلاثة أقوال . الزجاج:
[ ص: 431 ] أحدها: يشرب منها . والثاني: يشربها، والباء صلة . والثالث: يشرب بها عباد الله الخمر يمزجونها بها . وفي هذه العين قولان .
أحدهما: أنها الكافور الذي سبق ذكره .
والثاني: التسنيم، "وعباد الله" ها هنا: أولياؤه "يفجرونها تفجيرا" قال يقودونها إلى حيث شاؤوا من الجنة . قال مجاهد: حيث ما أحب الرجل من أهل الجنة فجرها لنفسه . الفراء:
قوله تعالى: يوفون بالنذر قال فيه إضمار "كانوا" يوفون بالنذر . وفيه قولان . الفراء:
أحدهما: يوفون بالنذر إذا نذروا في طاعة الله، قاله مجاهد، وعكرمة .
والثاني: يوفون بما فرض الله عليهم، قاله قتادة . الإيجاب . فالمعنى: يوفون بالواجب عليهم ومعنى "النذر" في اللغة: "ويخافون يوما كان شره مستطيرا" قال فاشيا . وقال ابن عباس: فاشيا منتشرا . يقال: استطار الحريق: إذا انتشر، واستطار الفجر إذا انتشر الضوء . وانشدوا ابن قتيبة: للأعشى:
فبانت وقد أسأرت في الفؤا د صدعا على نأيها مستطيرا
[ ص: 432 ] وقال كان شره فاشيا في السموات، فانشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وكورت الشمس والقمر في الأرض، ونسفت الجبال، وغارت المياه، وتكسر كل شيء على وجه الأرض من جبل، وبناء، وفشا شر يوم القيامة فيها . مقاتل:
قوله تعالى: ويطعمون الطعام على حبه اختلفوا فيمن نزلت على قولين .
أحدهما: نزلت في آجر نفسه ليسقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح . فلما قبض الشعير طحن ثلثه، وأصلحوا منه شيئا يأكلونه، فلما استوى أتى مسكين، فأخرجوه إليه، ثم عمل الثلث الثاني، فلما تم أتى يتيم، فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي، فلما استوى جاء أسير من المشركين، فأطعموه وطووا يومهم ذلك، فنزلت هذه الآيات، رواه علي بن أبي طالب . عن عطاء ابن عباس .
والثاني: أنها نزلت في صام يوما، فلما أراد أن يفطر جاء مسكين، ويتيم، وأسير، فأطعمهم ثلاثة أرغفة، وبقي له ولأهله رغيف واحد، فنزلت فيهم هذه الآية، قاله أبي الدحداح الأنصاري مقاتل .
[ ص: 433 ] وفي هاء الكناية في قوله تعالى: على حبه قولان .
أحدهما: ترجع إلى الطعام، فكأنهم كانوا يؤثرون وهم محتاجون إليه، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، والجمهور . والزجاج،
والثاني: ترجع إلى الله تعالى، قاله الداراني . وقد سبق معنى "المسكين واليتيم" [البقرة: 83] . وفي الأسير أربعة أقوال .
أحدها: أنه المسجون من أهل القبلة، قاله عطاء، ومجاهد، والثاني: أنه الأسير المشرك، قاله وابن جبير . الحسن، والثالث: المرأة، قاله [ ص: 434 ] وقتادة . أبو حمزة الثمالي . والرابع: العبد، ذكره الماوردي .
فصل
وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الآية تضمنت مدحهم على إطعام الأسير المشرك . قال: وهذا منسوخ بآية السيف . وليس هذا القول بشيء، فإن في إطعام الأسير المشرك ثوابا، وهذا محمول على صدقة التطوع . فأما الفرض فلا يجوز صرفه إلى الكفار، ذكره القاضي أبو يعلى .
قوله تعالى: إنما نطعمكم لوجه الله أي: لطلب ثواب الله . قال مجاهد، أما إنهم ما تكلموا بهذا، ولكن علمه الله من قلوبهم، فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب . وابن جبير:
قوله تعالى: لا نريد منكم جزاء أي: بالفعل "ولا شكورا" بالقول "إنا نخاف من ربنا يوما" أي: ما في يوم "عبوسا" قال أي: تعبس فيه الوجوه، فجعله من صفة اليوم، كقوله تعالى: ابن قتيبة: "في يوم عاصف" [إبراهيم: 18]، أراد عاصف الريح . فأما "القمطرير" فروى ابن أبي طلحة، عن أنه الطويل . وروى عنه ابن عباس: أنه قال: هو الذي يقبض فيه الرجل ما بين عينيه . فعلى هذا يكون اليوم موصوفا بما يجري فيه، كما قلنا في "العبوس" لأن اليوم لا يوصف بتقبيض ما بين العينين . وقال العوفي مجاهد، [ ص: 435 ] "القمطرير" الذي يقلص الوجوه، ويقبض الحياة، وما بين الأعين من شدته . وقال وقتادة: هو الشديد . يقال: يوم قمطرير، ويوم قماطر . وأنشدني بعضهم: الفراء:
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا عليكم إذا ما كان يوم قماطر
وقال العبوس، والقمطرير، والقماطر، والعصيب، والعصبصب: أشد ما يكون من الأيام، وأطوله في البلاء . أبو عبيدة:
قوله تعالى: فوقاهم الله شر ذلك اليوم بطاعتهم في الدنيا "ولقاهم نضرة" أي: حسنا وبياضا في الوجوه "وسرورا" لا انقطاع له . وقال النضرة في الوجوه، والسرور في القلوب الحسن: "وجزاهم بما صبروا" على طاعته، وعن معصيته "جنة وحريرا" وهو لباس أهل الجنة "متكئين فيها" قال هو منصوب على الحال، أي جزاهم جنة في حال اتكائهم فيها . الزجاج:
وقد شرحنا هذا في [الكهف: 31] .
قوله تعالى: لا يرون فيها شمسا فيؤذيهم حرها ولا "زمهريرا" وهو البرد الشديد . والمعنى: لا يجدون فيها الحر والبرد . وحكي عن أنه قال: الزمهرير: القمر، وأنشد: ثعلب
وليلة ظلامها قد اعتكر قطعتها والزمهرير ما زهر
أي: لم يطلع القمر .
[ ص: 436 ] قوله تعالى: ودانية قال المعنى: وجزاهم جنة، الفراء: ودانية عليهم ظلالها، أي: قريبة منهم ظلال أشجارها "وذللت قطوفها تذليلا" قال إذا هم أن يتناول من ثمارها تدلت إليه حتى يتناول ما يريد . وقال غيره: قربت إليهم مذللة كيف شاؤوا، فهم يتناولونها قياما، وقعودا، ومضطجعين، فهو كقوله تعالى: ابن عباس: قطوفها دانية [الحاقة: 23] . فأما "الأكواب" فقد شرحناها في [الزخرف: 71] "كانت قواريرا" أي: تلك الأكواب هي قوارير، ولكنها من فضة . قال لو ضربت فضة الدنيا حتى جعلتها مثل جناح الذباب، لم ير الماء من ورائها، وقوارير الجنة من فضة في صفاء القارورة . وقال ابن عباس: الفراء: هذا على التشبيه، المعنى: كأنها من فضة، أي: لها بياض كبياض الفضة وصفاء كصفاء القوارير . وكان وابن قتيبة: نافع، والكسائي، عن وأبو بكر يقرؤون "قواريرا قواريرا" فيصلونهما جميعا بالتنوين . ويقفون عليهما بالألف . وكان عاصم ابن عامر يصلانهما جميعا بغير تنوين، ويقفان عليهما بغير ألف . وكان وحمزة يصل الأول بالتنوين، ويقف عليه بالألف، ويصل الثاني بغير تنوين، ويقف بغير ألف . وروى ابن كثير حفص عن أنه كان يقرأ "سلاسل" و"قوارير قوارير" يصل الثلاثة بغير تنوين، ويقف على الثلاثة بالألف . وكان عاصم يقرأ الأول "قواريرا" فيقف عليه بالألف، ويصل بغير تنوين . وقال أبو عمرو الاختيار عند النحويين أن لا يصرف "قوارير" لأن كل جمع يأتي بعد ألفه حرفان لا ينصرف . ومن قرأ "قواريرا" يصرف الأول علامة رأس آية، وترك صرف الثاني لأنه ليس بآخر آية . ومن صرف الثاني: أتبع اللفظ اللفظ، لأن الزجاج: العرب ربما قلبت إعراب [ ص: 437 ] الشيء لتتبع اللفظ اللفظ، كما قالوا: جحر ضب خرب . وإنما الخرب من نعت الجحر .
قوله تعالى قدروها تقديرا وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو عمران، والجحدري، "قدروها" برفع القاف، وكسر الدال، وتشديدها . وقرأ وابن يعمر حميد، وعمرو بن دينار "قدروها" بفتح القاف، والدال، وتخفيفها .
ثم في معنى الآية قولان .
أحدهما: قدروها في أنفسهم، فجاءت على ما قدروا، قاله وقال الحسن . جعل الإناء على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه على تقديرهم . الزجاج:
والثاني: قدروها على مقدار لا يزيد ولا ينقص، قاله وقال غيره: قدر الكأس على قدر ريهم، لا يزيد عن ريهم فيثقل الكف، ولا ينقص منه فيطلب الزيادة، وهذا ألذ الشراب . فعلى هذا القول يكون الضمير في "قدروا" للسقاة والخدم . وعلى الأول للشاربين . مجاهد .
قوله تعالى: ويسقون فيها يعني في الجنة "كأسا كان مزاجها زنجبيلا" والعرب تضرب المثل بالزنجبيل والخمر ممزوجين . قال المسيب بن علس يصف فم امرأة:
فكأن طعم الزنجبيل به إذ ذقته وسلافة الخمر
[ ص: 438 ] وقال آخر:
كأن القرنفل والزنجبي لـ باتا بفيها وأريا مشارا
الأري: العسل . والمشار: المستخرج من بيوت النحل . قال والزنجبيل: اسم العين التي منها شراب الأبرار . وقرأت على شيخنا مجاهد: أبي منصور اللغوي قال: الزنجبيل معرب . وقال الدينوري: ينبت في أرياف عمان، وهي عروق تسري في الأرض، وليس بشجرة تؤكل رطبا، وأجود ما يحمل من بلاد الصين . قال وجائز أن يكون فيها طعم الزنجبيل، والكلام فيه كالكلام السابق في الكافور . وقيل: شراب الجنة على برد الكافور، وطعم الزنجبيل، وريح المسك . الزجاج:
قوله تعالى: عينا فيها قال يسقون عينا . وسلسبيل: اسم العين، إلا أنه صرف لأنه رأس آية . وهو في اللغة: صفة لما كان في غاية السلاسة . فكأن العين وصفت وسميت بصفتها . وقرأت على شيخنا الزجاج: أبي منصور اللغوي قال: قوله تعالى: تسمى سلسبيلا قيل: هو اسم أعجمي نكرة، فلذلك انصرف . وقيل: هو اسم معرفة، إلا أنه أجري، لأنه رأس آية . وعن قال: حديدة الجرية . وقيل: سلسبيل: سلس ماؤها، مستقيد لهم . وقال مجاهد السلسبيل صفة للماء، لسلسه وسهولة مدخله في الحلق . يقال: شراب سلسل، وسلسال، وسلسبيل . وحكى ابن الأنباري: أن الماوردي: قال: المعنى: سل سبيلا إليها، ولا يصح . عليا
[ ص: 439 ] قوله تعالى: ويطوف عليهم ولدان مخلدون قد سبق بيانه [الواقعة: 17] "إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا" أي: في بياض اللؤلؤ وحسنه، واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط كان أحسن منه منظرا . وإنما شبهوا باللؤلؤ المنثور، لانتشارهم في الخدمة . ولو كانوا صفا لشبهوه بالمنظوم . "وإذا رأيت ثم" يعني: الجنة "رأيت نعيما" لا يوصف "وملكا كبيرا" أي: عظيما واسعا لا يريدون شيئا إلا قدروا عليه، ولا يدخل عليهم ملك إلا باستئذان .
قوله تعالى: عاليهم قرأ أهل المدينة، وحمزة، والمفضل عن بإسكان الياء، وكسر الهاء . وقرأ الباقون بفتح الياء، إلا أن عاصم الجعفي عن أبي بكر قرأ "عاليتهم" بزيادة تاء مضمومة . وقرأ أنس بن مالك، ومجاهد، "عليهم" بفتح اللام، وإسكان الياء من غير تاء، ولا ألف . وقتادة
قال فأما تفسير إعراب "عاليهم" بإسكان الياء، فيكون رفعه بالابتداء، ويكون الخبر"ثياب سندس" وأما "عاليهم" بفتح الياء، فنصبه على الحال من شيئين، أحدهما: من الهاء والميم، والمعنى: يطوف على الأبرار ولدان مخلدون عاليا للأبرار ثياب سندس، لأنه وصف أحوالهم في الجنة، فيكون المعنى: يطوف عليهم في هذه الحال هؤلاء . ويجوز أن يكون حالا من الولدان . المعنى: إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علو الثياب . وأما "عاليتهم" فقد قرئت بالرفع وبالنصب، وهما وجهان جيدان في العربية، إلا أنهما يخالفان المصحف، فلا أرى القراءة بهما، وتفسيرها كتفسير الزجاج: "عاليهم" .
قوله تعالى: ثياب سندس خضر قرأ ابن عامر، "خضر" رفعا "وإستبرق" خفضا . وقرأ وأبو عمرو ابن كثير، عن وأبو بكر "خضر" [ ص: 440 ] خفضا "وإستبرق" رفعا . وقرأ عاصم نافع، وحفص عن "خضر وإستبرق" كلاهما بالرفع . وقرأ عاصم حمزة، "خضر وإستبرق" كلاهما بالخفض . قال والكسائي من قرأ "خضر" بالرفع، فهو نعت الثياب، ولفظ الثياب لفظ الجمع، ومن قرأ "خضر" فهو من نعت السندس، والسندس في المعنى راجع إلى الثياب . ومن قرأ "وإستبرق" فهو نسق على "ثياب" المعنى: وعليهم إستبرق . ومن خفض، عطفه على السندس، فيكون المعنى: عليهم ثياب من هذين النوعين . وقد بينا في [الكهف 31] معنى السندس، والإستبرق، والأساور . الزجاج:
قوله تعالى: وسقاهم ربهم شرابا طهورا فيه قولان .
أحدهما: لا يحدثون ولا يبولون عن شرب خمر الجنة، قاله عطية .
والثاني: لأن خمر الجنة طاهرة، وليست بنجسة كخمر الدنيا، قاله وقال الفراء . يؤتون بعد الطعام بالشراب الطهور فيشربون فتضمر بذلك بطونهم، ويفيض من جلودهم عرق مثل ريح المسك . أبو قلابة:
قوله تعالى: إن هذا يعني: ما وصف من نعيم الجنة "كان لكم جزاء" بأعمالكم "وكان سعيكم" أي: عملكم في الدنيا بطاعته "مشكورا" قال يريد: شكرتكم عليه، وأثيبكم أفضل الثواب عطاء: "إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا" أي: فصلناه في الإنزال، فلم ننزله جملة واحدة "فاصبر لحكم ربك" وقد سبق بيانه في مواضع [الطور: 48،والقلم: 48] . والمفسرون يقولون: هذا منسوخ بآية السيف، ولا يصح، "ولا تطع منهم" أي: من مشركي أهل مكة "آثما أو كفورا" "أو" بمعنى الواو، كقوله تعالى: أو الحوايا [الأنعام: 146] . وقد سبق هذا . وللمفسرين في المراد بالآثم والكفور ثلاثة أقوال .
[ ص: 441 ] أحدها: أنهما صفتان لأبي جهل . والثاني: أن الآثم: عتبة بن ربيعة، والكفور: الوليد بن المغيرة . والثالث: الآثم: الوليد . والكفور: عتبة، وذلك أنهما قالا له: ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بالمال والتزويج .
"واذكر اسم ربك" أي: اذكره بالتوحيد في الصلاة "بكرة" يعني: الفجر "وأصيلا" يعني: العصر . وبعضهم يقول: صلاة الظهر والعصر "ومن الليل فاسجد له" يعني: المغرب والعشاء . "وسبحه ليلا طويلا" وهي: صلاة الليل، كانت فريضة عليه، وهي لأمته تطوع "إن هؤلاء" يعني: كفار مكة "يحبون العاجلة" أي: الدار العاجلة، وهي الدنيا "ويذرون وراءهم" أي: أمامهم "يوما ثقيلا" أي: عسيرا شديدا . والمعنى: أنهم يتركون الإيمان به، والعمل له . ثم ذكر قدرته، فقال تعالى: "نحن خلقناهم وشددنا أسرهم" أي: خلقهم، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والفراء، وابن قتيبة، قال والزجاج . يقال: امرأة حسنة الأسر، أي: حسنة الخلق، كأنها أسرت، أي: شدت . وأصل هذا من الإسار، وهو: القد . [الذي تشد به الأقتاب] يقال: ما أحسن ما أسر قتبه، أي: ما أحسن ما شده [بالقد] . وروي عن ابن قتيبة: قال: مفاصلهم . وعن أبي هريرة قال: أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب "وإذا شئنا بدلنا أمثالهم" أي: إن شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم، فجعلناهم بدلا منهم الحسن "إن هذه تذكرة" قد شرحنا الآية في [المزمل: 19] .
قوله تعالى: وما تشاءون إيجاد السبيل "إلا أن يشاء الله" ذلك لكم . وقرأ ابن كثير، "وما يشاؤون" بالياء . وأبو عمرو،
[ ص: 442 ] قوله تعالى: يدخل من يشاء في رحمته قال المفسرون: الرحمة ها هنا: الجنة "والظالمين" المشركون . قال نصب "الظالمين" بالجوار . المعنى: ولا يدخل الظالمين في رحمته . وقال أبو عبيدة: إنما نصب "الظالمين" لأن قبله منصوبا . المعنى: يدخل من يشاء في رحمته، ويعذب الظالمين، ويكون قوله تعالى: الزجاج: أعد لهم تفسيرا لهذا المضمر، وقرأ أبو العالية، وأبو الجوزاء، "والظالمون" رفعا . وابن أبي عبلة