مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة .
قوله تعالى: عبس وتولى قال المفسرون: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، وأمية وأبيا ابني خلف، ويدعوهم إلى الله تعالى، ويرجو إسلامهم، فجاء الأعمى، فقال: علمني يا رسول الله مما علمك الله، وجعل يناديه، ويكرر النداء، ولا يدري أنه مشتغل بكلام غيره، حتى ظهرت الكراهية في وجهه صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل على القوم يكلمهم، فنزلت هذه الآيات، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه بعد ذلك، ويقول: مرحبا بمن عاتبني فيه [ ص: 27 ] ربي . ابن أم مكتوم وذهب قوم، منهم إلى أنه إنما جاء ليؤمن، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم اشتغالا بالرؤساء، فنزلت فيه هذه الآيات . مقاتل،
ومعنى عبس قطب وكلح وتولى أعرض بوجهه أن جاءه أي: لأن جاءه . وقرأ أبي بن كعب، والحسن، وأبو المتوكل، وأبو عمران: " أن جاءه " بهمزة واحدة مفتوحة ممدودة . وقرأ ابن مسعود، وابن السميفع " أأن " بهمزتين مقصورتين مفتوحتين . و الأعمى هو واسمه ابن أم مكتوم، عمرو بن قيس . وقيل: اسمه عبد الله بن عمرو وما يدريك لعله يزكى أي: يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح، وما يتعلمه منك . وقال لعله يؤمن مقاتل: أو يذكر أي: يتعظ بما يتعلمه من مواعظ القرآن فتنفعه الذكرى قرأ حفص عن " عاصم فتنفعه " بفتح العين، والباقون برفعها . قال من نصب، فعلى جواب " لعل " ، ومن رفع، فعلى العطف على " الزجاج: يزكى " .
قوله تعالى: أما من استغنى قال استغنى عن الله وعن الإيمان بماله . قال ابن عباس: " مجاهد: أما من استغنى " عتبة، وشيبة، فأنت له تصدى . قرأ ابن كثير، " تصدى " بتشديد الصاد . وقرأ ونافع: عاصم، ، [ ص: 28 ] وأبو عمرو وابن عامر، وحمزة، " تصدى " بفتح التاء، والصاد وتخفيفها، وقرأ والكسائي: أبي بن كعب، وأبو الجوزاء، " تتصدى " بتاءين مع تخفيف الصاد . قال وعمرو بن دينار: الأصل: تتصدى، ولكن حذفت التاء الثانية لاجتماع تاءين . ومن قرأ: " تصدى " بإدغام التاء، فالمعنى أيضا: تتصدى، إلا أن التاء أدغمت في الصاد لقرب مخرج التاء من الصاد . قال الزجاج: " تصدى " تقبل عليه بوجهك . وقال ابن عباس: تتعرض . وقرأ ابن قتيبة: ابن مسعود، وابن السميفع، والجحدري: " تصدى " بتاء واحدة مضمومة، وتخفيف الصاد .
قوله تعالى: وما عليك أي: أي شيء عليك في أن لا يسلم من تدعوه إلى الإسلام؟ يعني: أنه ليس عليه إلا البلاغ .
وأما من جاءك يسعى فيه قولان .
أحدهما: يمشي .
والثاني: يعمل في الخير، وهو ابن أم مكتوم وهو يخشى الله فأنت عنه تلهى وقرأ ابن مسعود، وطلحة بن مصرف، " تتلهى " بتاءين . وأبو الجوزاء
وقرأ أبي بن كعب، وابن السميفع، والجحدري " تلهى " بتاء واحدة خفيفة مرفوعة . قال أي: تتشاغل عنه . يقال: لهيت عن الشيء ألهى عنه: إذا تشاغلت عنه . الزجاج:
قوله تعالى: كلا أي: لا تفعل ذلك . إنها في المكني عنها قولان .
أحدهما: آيات القرآن، قاله مقاتل .
والثاني: هذه السورة، قاله " والتذكرة " بمعنى التذكير الفراء فمن شاء ذكره مفسر في آخر [المدثر: 55] . ثم أخبر بجلالة القرآن عنده، فقال تعالى: [ ص: 29 ] في صحف مكرمة أي: هو في صحف، أي: في كتب مكرمة، وفيها قولان .
أحدهما: أنها اللوح المحفوظ، قاله مقاتل .
والثاني: كتب الأنبياء، ذكره فعلى هذا يكون معنى " مرفوعة " عالية القدر . وعلى الأول يكون رفعها كونها في السماء . الثعلبي .
وفي معنى " المطهرة " أربعة أقوال .
أحدها: مطهرة من أن تنزل على المشركين، قاله . والثاني: مطهرة من الشرك والكفر، قاله الحسن والثالث: لأنه لا يمسها إلا المطهرون، قاله مقاتل . والرابع: مطهرة من الدنس، قاله الفراء . يحيى بن سلام .
قوله تعالى: بأيدي سفرة فيهم قولان .
أحدهما: أنهم الملائكة، قاله الجمهور .
والثاني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قاله وهب بن منبه .
وفي معنى " سفرة " ثلاثة أقوال .
أحدها: أنهم الكتبة، قاله ابن عباس، ومجاهد، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، قال والزجاج . واحدهم: سافر، وسفرة، مثل كاتب، وكتبة، وكافر، وكفرة . وإنما قيل للكتاب: سفر، وللكاتب: سافر، لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه . يقال: أسفر الصبح: إذا أضاء . وسفرت المرأة: إذا كشفت النقاب عن وجهها . ومنه: سفرت بين القوم، أي: كشفت ما في قلب هذا، وقلب هذا، لأصلح بينهم . الزجاج:
والثاني: أنهم القراء، قاله قتادة .
[ ص: 30 ] والثالث: أنهم السفراء، وهم المصلحون . قال تقول الفراء: العرب: سفرت بين القوم، أي: أصلحت بينهم، فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله، كالسفير الذي يصلح بين القوم . قال الشاعر:
وما أدع السفارة بين قومي وما أمشي بغش إن مشيت
قوله تعالى: كرام أي: على ربهم بررة أي: مطيعين . قال واحد " البررة " في قياس العربية: بار، لأن الفراء: العرب لا تقول: فعلة ينوون به الجمع إلا والواحد منه فاعل، مثل كافر، وكفرة، وفاجر، وفجرة .