[ ص: 126 ] سورة البلد
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين .
قوله تعالى: لا أقسم قال المعنى: أقسم . و " لا " دخلت توكيدا، كقوله تعالى: الزجاج: لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد: 29] وقرأ عكرمة، ومجاهد، وأبو عمران، " لأقسم " قال وأبو العالية: وهذه القراءة بعيدة في العربية، وقد شرحنا هذا في أول " القيامة " . الزجاج:
قوله تعالى: وأنت حل بهذا البلد فيه ثلاثة أقوال .
[ ص: 127 ] و " البلد " هاهنا: مكة .
أحدها: حل لك ما صنعت في هذا البلد من قتل أو غيره، قاله ابن عباس، قال ومجاهد . يقال: رجل حل، وحلال، ومحل . قال المفسرون: والمعنى: إن الله تعالى وعد نبيه أن يفتح الزجاج: مكة على يديه بأن يحلها له، فيكون فيها حلا .
والثاني: فأنت محل بهذا البلد غير محرم في دخوله، يعني: عام الفتح، قاله الحسن، وعطاء .
والثالث: أن المشركين بهذا البلد يستحلون إخراجك وقتلك، ويحرمون قتل الصيد، حكاه الثعلبي .
قوله تعالى: ووالد وما ولد فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه آدم وما ولد، قاله الحسن، ومجاهد، والضحاك، وقتادة .
[ ص: 128 ] والثاني: أولاد إبراهيم، وما ولد: ذريته، قاله أبو عمران الجوني .
والثالث: أنه عام في كل والد وما ولد، حكاه الزجاج .
قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان هذا جواب القسم .
وفيمن عنى بالإنسان خمسة أقوال .
أحدها: أنه اسم جنس، وهو معنى قول ابن عباس .
والثاني: أنه أبو الأشدين الجمحي، وقد سبق ذكره، [المدثر: 29، والانفطار: 5] قاله . الحسن
[ ص: 129 ] والثالث: أنه الحارث بن عامر بن نوفل، وذلك أنه أذنب ذنبا، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، فقال لقد ذهب مالي في الكفارات، والنفقات منذ دخلت في دين محمد، قاله مقاتل .
والرابع: آدم عليه السلام، قاله ابن زيد .
والخامس: الوليد بن المغيرة، حكاه الثعلبي .
قوله تعالى: في كبد فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: في نصب، رواه عن الوالبي وبه قال ابن عباس، الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، فإنهم قالوا: في شدة . قال وأبو عبيدة، يكابد الشكر على السراء والصبر على الضراء، لأنه لا يخلو من أحدهما ويكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة . قال الحسن: في شدة غلبة ومكابدة لأمور الدنيا والآخرة، فعلى هذا يكون من مكابدة الأمر، وهي معاناته . ابن قتيبة:
والثاني: أن المعنى: خلق منتصبا يمشي على رجلين، وسائر الحيوان [ ص: 130 ] غير منتصب، رواه مقسم عن وبه قال ابن عباس، عكرمة، والضحاك، وعطية، فعلى هذا يكون معنى الكبد: الاستواء والاستقامة . والفراء،
والثالث: في وسط السماء، قال ابن زيد: " لقد خلقنا الإنسان " يعني: آدم " في كبد " أي: في وسط السماء .
قوله تعالى أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يعني الله عز وجل أي: [أيحسب أن] لن نقدر على بعثه، ومعاقبته؟! يقول أهلكت مالا لبدا أي: كثيرا، قال هو فعل من التلبد، وهو المال الكثير بعضه على بعض . قال أبو عبيدة، وهو المال المتلبد، [ ص: 131 ] كأن بعضه على بعض . قال ابن قتيبة: وهو فعل للكثرة، كما يقال: رجل حطم: إذا كان كثير الحطم . وقرأ الزجاج: رضي الله عنه، أبو بكر الصديق وعائشة، وأبو عبد الرحمن، وقتادة، وأبو العالية، " لبدا " بضم اللام، وتشديد الباء مفتوحة . وقرأ وأبو جعفر: رضي الله عنه، عمر بن الخطاب وأبو المتوكل، وأبو عمران: " لبدا " بفتح اللام وتسكين الباء خفيفة . وقرأ عثمان بن عفان، والحسن، " لبدا " برفع اللام والباء وتخفيفهما . وقرأ ومجاهد: علي، وابن أبي الجوزاء: " لبدا " بكسر اللام، وفتح الباء مخففة .
وفيما قال لأجله ذلك قولان .
أحدهما: أنه أراد: أهلكت مالا كثيرا في عداوة محمد، قاله فكأنه استطال بما أنفق . ابن السائب،
والثاني: أنفقت في سبيل الله وفي الكفارات مالا كثيرا، قاله فكأنه ندم على ما أنفق . مقاتل .
قوله تعالى: أيحسب أن لم يره أحد يعني الله عز وجل . والمعنى: أيظن أن الله لم ير نفقته، ولم يحصها؟! وكان قد ادعى ما لم ينفق .
[ ص: 132 ] قوله تعالى: ألم نجعل له عينين والمعنى: ألم نفعل به ما يدل على أن الله قادر على بعثه؟!
قوله تعالى: وهديناه النجدين فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: سبيل الخير والشر، قاله علي، والحسن، وقال والفراء . يريد طريق الخير والشر . وقال ابن قتيبة: النجدان: الطريقان الواضحان . والنجد: المرتفع من الأرض، فالمعنى: ألم نعرفه طريق الخير والشر كتبين الطريقين العاليين . الزجاج:
والثاني: سبيل الهدى والضلال، قاله وقال ابن عباس . هو سبيل الشقاوة والسعادة . مجاهد:
والثالث: الثديان ليتغذى بلبنهما، روي عن أيضا، وبه قال ابن عباس ابن المسيب، والضحاك، وقتادة .