[ ص: 145 ] سورة الليل
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى .
قوله تعالى: والليل إذا يغشى قال يغشى بظلمته النهار . وقال ابن عباس: يغشى الأفق، ويغشى جميع ما بين السماء والأرض، الزجاج: والنهار إذا تجلى أي: بان وظهر من بين الظلمة، وما خلق الذكر والأنثى في " ما " قولان . وقد ذكرناهما عند قوله تعالى: وما بناها [الشمس: 5] . وفي الذكر والأنثى قولان .
أحدهما: آدم وحواء، قاله ابن السائب، ومقاتل .
[ ص: 146 ] والثاني: أنه عام، ذكره الماوردي .
قوله تعالى: إن سعيكم لشتى هذا جواب القسم . قال إن أعمالكم لمختلفة، عمل للجنة، وعمل للنار . وقال ابن عباس: سعي المؤمن والكافر مختلف، بينهما بعد . الزجاج:
وفي سبب نزول هذه السورة قولان .
أحدهما: أن رضي الله عنه اشترى أبا بكر الصديق من بلالا أمية وأبي ابني خلف ببردة وعشرة أواق، فأعتقه، فأنزل الله عز وجل " والليل " إلى قوله تعالى: " إن سعيكم لشتى " يعني: سعي أبي بكر، وأمية قاله وأبي، عبد الله بن مسعود .
والثاني: أن رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال، وكان الرجل إذا صعد النخلة ليأخذ منها الثمر، فربما سقطت الثمرة، فيأخذها صبيان الفقير، فينزل الرجل من نخلته حتى يأخذ الثمرة من أيديهم، فإن وجدها في فم [ ص: 147 ] أحدهم أدخل أصبعه حتى يخرجها، فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم صاحب النخلة، فقال: " تعطيني نخلتك التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة؟ " فقال الرجل: إن لي نخلا وما فيه نخلة أعجب إلي منها، ثم ذهب الرجل، فقال رجل ممن سمع ذلك الكلام: يا رسول الله أتعطيني نخلة في الجنة إن أنا أخذتها؟ قال: نعم، فذهب الرجل، فلقي صاحب النخلة، فساومها منه، فقال له: أما شعرت أن محمدا أعطاني بها نخلة في الجنة؟ فقلت: ما لي نخلة أعجب إلي منها، فقال له: أتريد بيعها؟ قال: لا، إلا أن أعطى بها مالا أظنني أعطى، قال: ما مناك؟ قال: أربعون نخلة . فقال: أنا أعطيك أربعين نخلة، فأشهد له ناسا، ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن النخلة قد صارت في ملكي، وهي لك، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب الدار، فقال: النخلة لك ولعيالك، فأنزل الله عز وجل والليل إذا يغشى إلى قوله تعالى: إن سعيكم لشتى رواه عن عكرمة وقال ابن عباس . الذي اشتراها من الرجل عطاء: [ ص: 148 ] أخذها بحائط له، فأنزل الله تعالى هذه الآيات إلى قوله تعالى: " أبو الدحداح، إن سعيكم لشتى " وصاحب النخلة . أبو الدحداح،
قوله تعالى: فأما من أعطى واتقى قال يعني: ابن مسعود: هذا قول الجمهور . وقال أبا بكر الصديق، هو عطاء: أبو الدحداح .
وفي المراد بهذا العطاء ثلاثة أقوال .
أحدها: أعطى من فضل ماله، قاله ابن عباس .
[ ص: 149 ] والثاني: أعطى الله الصدق من قلبه، قاله . الحسن
والثالث: أعطى حق الله عليه، قاله قتادة .
وفي قوله تعالى: واتقى ثلاثة أقوال .
أحدها: اتقى الله، قاله ابن عباس .
والثاني: اتقى البخل، قاله مجاهد .
والثالث: اتقى محارم الله التي نهى عنها، قاله قتادة .
وفي " الحسنى " ستة أقوال .
أحدها: أنه " لا إله إلا الله " ، رواه عطية عن وبه قال ابن عباس، الضحاك .
والثاني: الخلف، رواه عن عكرمة وبه قال ابن عباس، الحسن .
والثالث: الجنة، قاله مجاهد .
والرابع: نعم الله عليه، قاله عطاء .
والخامس: بوعد الله أن يثيبه، قاله قتادة، ومقاتل .
والسادس: الصلاة، والزكاة، والصوم، قاله زيد بن أسلم .
قوله تعالى: فسنيسره لليسرى ضم سين " اليسرى " وسين " العسرى " وفيه قولان . أبو جعفر
أحدهما: للخير، قاله والمعنى: نيسر ذلك عليه . ابن عباس .
[ ص: 150 ] والثاني: للجنة، قاله زيد بن أسلم .
وأما من بخل قال يعني ذلك ابن مسعود: أمية وأبي ابني خلف . وقال هو صاحب النخلة . عطاء:
قال المفسرون: " وأما من بخل " بالنفقة في الخير والصدقة . وقال بحق الله عز وجل، قتادة: واستغنى عن ثواب الله فلم يرغب فيه وكذب بالحسنى وقد سبقت الأقوال فيها .
وفي " العسرى " قولان .
أحدهما: النار، قاله ابن مسعود .
والثاني: الشر، قاله والمعنى: سنهيؤه للشر فيؤديه إلى الأمر العسير، وهو عذاب النار . ابن عباس .
ثم ذكر أن ما أمسكه من ماله لا ينفعه، فقال تعالى: وما يغني عنه ماله الذي بخل به عن الخير إذا تردى وفيه قولان .
أحدهما: إذا تردى في جهنم، قاله ابن عباس، والمعنى: إذا سقط فيها . وقتادة .
[ ص: 151 ] والثاني: إذا مات فتردى في قبره، قاله مجاهد .