وهي مكية كلها بإجماعهم
اتفق المفسرون: على أن هذه [السورة] نزلت بعد انقطاع الوحي مدة .
ثم اختلفوا في سبب انقطاعه على ثلاثة أقوال .
أحدها: أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، وعن أصحاب الكهف، وعن الروح، فقال: سأخبركم غدا، ولم يقل: إن شاء الله، فاحتبس عنه الوحي .
والثاني: لقلة النظافة في بعض أصحابه . وقد ذكرنا هذين القولين في سورة [مريم: 65] .
والثالث: لأجل جرو كان في بيته، قاله زيد بن أسلم .
[ ص: 155 ] وفي مدة احتباسه عنه أقوال قد ذكرناها في [مريم: 66] .
وروى البخاري في " الصحيحين " من حديث ومسلم جندب قال: قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أرى شيطانك إلا قد ودعك، فنزلت والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى قالت امرأة من جندب: هو ابن سفيان . والمرأة: يقال لها: أم جميل امرأة أبي لهب .
[ ص: 156 ] بسم الله الرحمن الرحيم
والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث .
وفي المراد " بالضحى " أربعة أقوال .
أحدها: ضوء النهار، قاله مجاهد .
والثاني: صدر النهار، قاله قتادة .
والثالث: أول ساعة من النهار إذا ترحلت الشمس، قاله السدي، ومقاتل .
والرابع: النهار كله، قاله الفراء .
وفي معنى " سجى " خمسة أقوال .
أحدها: أظلم .
والثاني: ذهب، رويا عن ابن عباس .
والثالث: أقبل، قاله سعيد بن جبير .
والرابع: سكن، قاله عطاء، وعكرمة، فعلى هذا: في معنى " سكن " قولان . وابن زيد .
أحدهما: استقر ظلامه . قال " سجى " بمعنى أظلم وركد في [ ص: 157 ] طوله . كما يقال: بحر ساج، وليل ساج: إذا ركد وأظلم . ومعنى ركد: سكن . قال الفراء: يقال: ليلة ساجية، وساكنة، وشاكرة . قال أبو عبيدة، الحادي:
يا حبذا القمراء والليل الساج وطرق مثل ملاء النساج
قال " سجى " بمعنى سكن، وذلك عند تناهي ظلامه وركوده . ابن قتيبة:
والثاني: سكن الخلق فيه، ذكره الماوردي .
والخامس: امتد ظلامه، قاله ابن الأعرابي .
قوله تعالى " : ما ودعك ربك وقرأ عمر بن الخطاب، وأنس، وعروة، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن أبي عبلة، وأبو حاتم عن يعقوب " ما ودعك " بتخفيف الدال . وهذا جواب القسم . قال " ما ودعك " من التوديع كما يودع المفارق، و " ما ودعك " مخففة من ودعه يدعه أبو عبيدة: وما قلى أي: أبغض .
قوله تعالى: وللآخرة خير لك من الأولى قال خير لك من الدنيا . وقال غيره: الذي لك في الآخرة أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا . عطاء:
قوله تعالى: ولسوف يعطيك ربك في الآخرة من الخير فترضى بما تعطى . قال علي هو الشفاعة في أمته حتى يرضى . قال والحسن: [ ص: 158 ] ابن عباس: عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفتح على أمته من بعده كفرا كفرا، فسر بذلك، فأنزل الله عز وجل: " وللآخرة خير لك من الأولى . ولسوف يعطيك ربك فترضى " .
قوله تعالى: ألم يجدك يتيما فآوى فيه قولان .
أحدهما: جعل لك مأوى إذ ضمك إلى عمك أبي طالب، فكفاك المؤونة، قاله مقاتل .
والثاني: جعل لك مأوى لنفسك أغناك عن كفالة أبي طالب، قاله ابن السائب .
قوله تعالى: ووجدك ضالا فهدى فيه ستة أقوال .
أحدها: ضالا عن معالم النبوة، وأحكام الشريعة، فهداك إليها، قاله الجمهور، منهم الحسن، والضحاك .
والثاني: أنه ضل وهو صبي صغير في شعاب مكة، فرده الله إلى جده عبد المطلب، رواه عن أبو الضحى ابن عباس .
[ ص: 159 ] والثالث: أنه لما خرج مع ميسرة غلام خديجة أخذ إبليس بزمام ناقته، فعدل به عن الطريق، فجاء جبريل، فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى الحبشة، ورده إلى القافلة، فمن الله عليه بذلك، قاله سعيد بن المسيب .
والرابع: أن المعنى: ووجدك في قوم ضلال، فهداك للتوحيد والنبوة، قاله ابن السائب .
والخامس: ووجدك نسيا، فهداك إلى الذكر . ومثله: أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى [البقرة: 282]، قاله ثعلب .
والسادس: ووجدك خاملا لاتذكر ولا تعرف، فهدى الناس إليك حتى عرفوك، قاله عبد العزيز بن يحيى، ومحمد بن علي الترمذي .
قوله تعالى: ووجدك عائلا قال أي: ذا فقر . وأنشد: أبو عبيدة:
وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل
أي: يفتقر . قال العائل: الفقير، كان له عيال، أو لم يكن . يقال: عال الرجل: إذا افتقر . وأعال: إذا كثر عياله . ابن قتيبة:
قوله تعالى: فأغنى قولان .
أحدهما: رضاك بما أعطاك من الرزق، قاله واختاره ابن السائب، الفراء .
وقال: لم يكن غناه عن كثرة المال، ولكن الله رضاه بما آتاه .
[ ص: 160 ] والثاني: فأغناك بمال عن خديجة أبي طالب، قاله جماعة من المفسرين .
قوله تعالى: فأما اليتيم فلا تقهر فيه قولان .
أحدهما: تحقر، قاله مجاهد .
والثاني: تقهره على ماله، قاله الزجاج وأما السائل ففيه قولان .
أحدهما: سائل البر، قاله الجمهور . والمعنى: إذا جاءك السائل، فإما أن تعطيه، وإما أن ترده ردا لينا . ومعنى فلا تنهر لا تنهره، يقال: نهره وانتهره: إذا استقبله بكلام يزجره .
والثاني: أنه طالب العلم، قاله في آخرين . يحيى بن آدم
قوله تعالى: وأما بنعمة ربك فحدث في النعمة ثلاثة أقوال .
أحدها: النبوة .
والثاني: القرآن، رويا عن مجاهد .
والثالث: أنها عامة في جميع الخيرات، وهذا قول وقد روي عن مقاتل، قال: قرأت على مجاهد فلما بلغت " ابن عباس . والضحى " قال: كبر إذا [ ص: 161 ] ختمت كل سورة حتى تختم . وقد قرأت على فأمرني بذلك . قال أبي بن كعب ويقال: إن الأصل في ذلك أن الوحي علي بن أحمد النيسابوري: والضحى " كبر عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحا بنزول الوحي، فاتخذه الناس سنة . لما فتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال المشركون: قد هجره شيطانه وودعه، اغتم لذلك، فلما نزل "