وفيها قولان:
أحدهما: مكية، قاله الجمهور، منهم الحسن، وعطاء .
والثاني: أنها مدنية، حكاه عن الماوردي ابن عباس، وقتادة .
بسم الله الرحمن الرحيم
والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين .
قوله تعالى: والتين والزيتون فيهما سبعة أقوال .
أحدها: أنه التين المعروف، والزيتون المعروف، قاله ابن عباس، والحسن، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، وجابر بن زيد، وإبراهيم . وذكر بعض المفسرين [ ص: 169 ] أنه إنما أقسم بالتين لأنها فاكهة مخلصة من شائب التنغيص، وهو يدل على قدرة من هيأه على تلك الصفة . وجعل الواحدة منه على مقدار اللقمة، وإنما أقسم بالزيتون لكثرة الانتفاع به .
والثاني: أن التين: مسجد نوح عليه السلام الذي بني على الجودي . والزيتون: بيت المقدس، رواه عطية عن ابن عباس .
والثالث: التين: المسجد الحرام، والزيتون: المسجد الأقصى، قاله الضحاك .
والرابع: التين: مسجد دمشق، والزيتون: بيت المقدس، قاله كعب، وقتادة، وابن زيد .
والخامس: أنهما جبلان، قاله في رواية . وروي عن عكرمة قال: التين: الجبل الذي عليه قتادة دمشق، والزيتون: الجبل الذي عليه بيت المقدس .
والسادس: أن التين: مسجد أصحاب الكهف، والزيتون: مسجد إيلياء، قاله القرظي .
والسابع: أن التين: جبال ما بين حلوان إلى همذان، والزيتون: جبال بالشام، حكاه الفراء .
فأما " طور سينين " فالطور: جبل . وفيه قولان .
[ ص: 170 ] أحدهما: أنه الجبل الذي كلم الله موسى عليه، قاله في الأكثرين . كعب الأحبار
والثاني: أنه جبل بالشام، قاله قتادة .
فأما " سينين " فهو لغة في سيناء . وقد قرأ علي، وسعد بن أبي وقاص، وأبو العالية، وأبو مجلز " وطور سيناء " ممدودة مهموزة، مفتوحة السين . وقرأ ابن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو حيوة: " وطور سيناء " مثلهم إلا أنهم كسروا السين . وقرأ أبو رجاء، والجحدري: " سينين " كما في المصحف، لكنهما فتحا السين . وقال " سينين " هو ابن الأنباري: سيناء .
واختلفوا في معناه، فقيل: معناه: الحسن . وقيل: المبارك . وقيل: إنه اسم للشجر الذي حوله . وقد شرحنا هذا في سورة [المؤمنين: 20] قال وقد قرئ هاهنا " وطور سيناء " وهو أشبه لقوله تعالى: الزجاج: وشجرة تخرج من طور سيناء [المؤمنون: 20] . وقال كل جبل فيه شجر مثمر فهو سينين، وسيناء بلغة النبط . مقاتل:
قوله تعالى: وهذا البلد الأمين يعني: مكة يأمن فيه الخائف في الجاهلية، [ ص: 171 ] والإسلام . قال ومعنى " الأمين " الآمن . الفراء: والعرب تقول للأمين: آمن .
قال الشاعر:
ألم تعلمي يا أسم ويحك أنني حلفت يمينا لا أخون أميني
يريد آمني .
قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان هذا جواب القسم . وفي المراد بالإنسان هاهنا خمسة أقوال .
أحدها: أنه كلدة بن أسيد، قاله ابن عباس .
والثاني: الوليد بن المغيرة، قاله عطاء .
والثالث: أبو جهل بن هشام .
والرابع: عتبة، وشيبة، حكاهما الماوردي .
[ ص: 172 ] والخامس: أنه اسم جنس، وهذا مذهب كثير من المفسرين، وهو معنى قول مقاتل .
قوله تعالى: في أحسن تقويم فيه أربعة أقوال .
أحدها: في أعدل خلق .
والثاني: منتصب القامة، رويا عن ابن عباس .
والثالث: في أحسن صورة، قاله أبو العالية .
والرابع: في شباب وقوة، قاله عكرمة .
ثم رددناه أسفل سافلين فيه قولان .
أحدهما: إلى أرذل العمر، رواه عن العوفي وبه قال ابن عباس، عكرمة، وإبراهيم، وقال وقتادة . إلى الهرم بعد الشباب، والضعف بعد القوة . والسافلون: هم الضعفاء، والزمنى، والأطفال، والشيخ الكبير أسفل هؤلاء جميعا . قال الضحاك: وإنما قال: " سافلين " على الجمع، لأن الإنسان في [ ص: 173 ] معنى جمع . تقول: هذا أفضل قائم، ولا تقول: قائمين، لأنك تريد واحدا، فإذا لم ترد واحدا ذكرته بالتوحيد وبالجمع . الفراء:
والثاني: إلى النار، قاله الحسن، وأبو العالية، والمعنى: إنا نفعل هذا بكثير من الناس . تقول ومجاهد . العرب: أنفق فلان ماله على فلان، وإنما أنفق بعضه، ومثله قوله تعالى: الذي يؤتي ماله يتزكى [الليل: 18] لم يرد كل ماله . ثم استثنى من الإنسان فقال تعالى: إلا الذين آمنوا لأن معنى الإنسان الكثير .
وللمفسرين في معنى الاستثناء قولان .
أحدهما: إلا الذين آمنوا، فإنهم لا يردون إلى الخرف وأرذل العمر وإن عمروا طويلا، وهذا على القول الأول . قال من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر . وقال ابن عباس: إذا بلغ المؤمن من الكبر ما يعجز عن العمل كتب له ما كان يعمل، وهو قوله تعالى: النخعي: فلهم أجر غير ممنون وقال المعنى: إلا الذين آمنوا في وقت القوة والقدرة، فإنهم حال الكبر غير منقوصين وإن عجزوا عن الطاعات، لأن الله تعالى علم أنهم لو لم يسلبهم القوة لم ينقطعوا عن أفعال الخير، فهو يجري لهم أجر ذلك . ابن قتيبة:
والثاني: إلا الذين آمنوا، فإنهم لا يردون إلى النار . وهذا على القول الثاني .
وقد شرحنا معنى " الممنون " في " ن " [آية: 3] .
قوله تعالى: فما يكذبك بعد بالدين فيه قولان .
[ ص: 174 ] أحدهما: فما يكذبك أيها الإنسان بعد هذه الحجة " بالدين " أي: ما الذي يجعلك مكذبا بالجزاء؟!، وهذا توبيخ للكافر، وهو معنى قول وزعم أنها نزلت في مقاتل . عدي بن ربيعة .
والثاني: فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعدما تبين له خلقنا الإنسان على ما وصفنا، قاله فأما " الدين " فهو الجزاء . والمشار بذكره إلى البعث، كأنه استدل بتقليب الأحوال على البعث . الفراء .
قوله تعالى: أليس الله بأحكم الحاكمين أي: بأقضى القاضين . قال يحكم بينك وبين مكذبيك . وذكر بعض المفسرين: أن معنى هذه الآية تسليته في تركهم والإعراض عنهم . ثم نسخ هذا المعنى بآية السيف . مقاتل: