كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب .
قوله تعالى: كلا أي: حقا . وقال مقاتل: كلا لا يعلم أن الله علمه . ثم استأنف فقال تعالى: إن الإنسان ليطغى يعني: أبا جهل . وكان إذا أصاب مالا أشر وبطر في ثيابه، ومراكبه، وطعامه . أن رآه استغنى قال أي: أن رأى نفسه استغنى . و " الرجعى " المرجع . ابن قتيبة:
قوله تعالى: أرأيت الذي ينهى معنى: أرأيت: تعجيبه المخاطب، وإنما كررها للتأكيد والتعجيب . والمراد بالناهي هاهنا: أبو جهل . [ ص: 177 ] قال أبو هريرة: أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم . قال: فبالذي يحلف به لئن رأيته لأطأن على رقبته . فقيل له: هاهو ذاك يصلي . فانطلق ليطأ على رقبته، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فأتوه، فقالوا: مالك ياأبا الحكم؟ فقال: إن بيني وبينه خندقا من نار، وهولا وأجنحة . وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا " ، فأنزل الله تعالى: أرأيت الذي ينهى إلى آخر السورة . وقال قال ابن عباس: أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟! فانصرف إليه [ ص: 178 ] النبي صلى الله عليه وسلم فزبره، فقال أبو جهل: والله إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني، فأنزل الله تعالى: فليدع ناديه سندع الزبانية قال والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله . ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاء
قال المفسرون: والمراد بالعبد هاهنا: محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل: كانت الصلاة صلاة الظهر .
قوله تعالى: أرأيت إن كان على الهدى يعني المنهي وهو النبي صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى: أرأيت إن كذب وتولى يعني: الناهي، وهو أبو جهل، قال والمعنى: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى، وهو كاذب متول عن الذكر، فأي شيء أعجب من هذا؟! وقال الفراء: تقديره: أرأيته مصيبا . ابن الأنباري:
قوله تعالى: ألم يعلم يعني: أبا جهل بأن الله يرى ذلك فيجازيه كلا أي: لا يعلم ذلك لئن لم ينته عن تكذيب محمد وشتمه وإيذائه لنسفعا بالناصية السفع: الأخذ، والناصية: مقدم الرأس . قال يقال: سفعت بيده، [ ص: 179 ] أي: أخذت بها . وقال أبو عبيدة: يقال: سفعت الشيء: إذا قبضت عليه وجذبته جذبا شديدا . والمعنى: لنجرن ناصيته إلى النار . الزجاج:
قوله تعالى: ناصية قال هي بدل، فلذلك جرها . قال أبو عبيدة: والمعنى: بناصية صاحبها كاذب خاطئ، كما يقال: نهاره صائم، وليله قائم، أي: هو صائم في نهاره، قائم في ليله الزجاج: فليدع ناديه أي: أهل ناديه، وهم أهل مجلسه فليستنصرهم سندع الزبانية قال هم الملائكة الغلاظ الشداد . وقال عطاء: هم خزنة جهنم . وقال مقاتل: الزبانية في كلام قتادة: العرب: الشرط . قال كان الفراء: يقول: لم أسمع للزبانية بواحد، ثم قال بأخرة: واحد الزبانية: زبني، فلا أدري أقياسا منه أو سماعا . وقال الكسائي واحد الزبانية: زبنية، وهو كل متمرد من إنس، أو جان . يقال: فلان زبنية عفرية . قال أبو عبيدة: وهو مأخوذ من الزبن، وهو الدفع، كأنهم يدفعون أهل النار إليها . قال ابن قتيبة: ابن دريد: الزبن: الدفع . يقال: ناقة زبون: إذا زبنت حالبها، ودفعته برجلها . وتزابن القوم: تدارؤوا . واشتقاق الزبانية من الزبن . والله أعلم .
قوله تعالى: كلا أي: ليس الأمر على ما عليه أبو جهل لا تطعه في ترك الصلاة واسجد أي: صل لله واقترب إليه بالطاعة، وهذا قول الجمهور أن قوله تعالى: واقترب خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . وقد قيل: إنه خطاب لأبي جهل . ثم فيه قولان .
[ ص: 180 ] أحدهما: أن المعنى: اسجد أنت يا محمد، واقترب أنت يا أبا جهل من النار، قاله زيد بن أسلم .
والثاني: واقترب يا أبا جهل تهددا له، رواه عن بعض القدماء . وهذا يشرحه حديث أبو سليمان الدمشقي الذي قدمناه . وروى أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أبو هريرة " . أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء